strong>عمر نشابة
يتميّز التقرير السابع للجنة التحقيق الدولية بتركيز على الجانب التقني، ما يمنع توظيفه سياسياً كما كانت الحال بعد نشر التقريرين الأول والثاني. ويلتزم الدكتور براميرتس وزملاؤه الخبراء منهجية أكاديمية تقطع الطريق على التشكيك وتفتح المجال للحسم مدعوماً بدلائل علمية

تضمّن التقرير السابع للجنة التحقيق الدولية عرضاً لتقنيات متطوّرة لم تذكرها التقارير الستة السابقة. وتساعدت هذه التقنيات على تقدّم التحقيقات إذ تتوافر من خلالها معلومات تُستخدم للتدقيق بإفادات الشهود والمشتبه فيهم، كما تقارن تلك المعلومات بمعلومات أخرى استحصل عليها في تحقيقات سائر الجرائم. ومن أهمّ مجالات التحقيق التي ذكرها التقرير السابع والتي تطلّبت وسائل تقنية متطوّرة :
1- حسم مسألة العبوة المتفجّرة في جريمة اغتيال الحريري. فبعد تسرّع العديد من «المحلّلين» في تحديد خصوصيات الانفجار الذي وقع في 14 شباط 2005، وتأكيد أحدهم على الاقلّ، عبر شاشات التلفزة، أن العبوة كانت تحت الأرض، أثبتت الدراسات العلمية أن الحقيقة غير ذلك. ولإثبات مكان زرع العبوة وحسم هذه المسألة نهائياً استخدمت لجنة التحقيق تحليلات علم الزلازل (SEISMOLOGICAL ANALYSIS) من جهة وتحاليل القياس العصفي للانفجار (BLAST SCALING EXPLOSION EXPERIMENT) من جهة أخرى. وذكر التقرير الاخير أن اللجنة استعانت كذلك بتقويمات خبراء خارجيين للتدقيق بتوقيت الانفجار.
وبشأن ظاهرة سماع بعض الشهود أكثر من تفجير، قدّم خبراء اللجنة تفسيراً علمياً إذ إنه يمكن تقسيم التفجير إلى ثلاث مراحل منفصلة على أجهزة رصد الزلازل، بسبب تفاوت سرعة ثلاث موجات مختلفة: الموجات الأولية والثانوية، الموجات السطحية والموجات الصوتية. وبالتالي يمكن الظن خطأ أن هذه الموجات ناتجة من أكثر من انفجار. ولحسم هذا الموضوع، قام خبراء اللجنة بمجموعة اختبارات تضمّنت تسجيلات صوتية تمّ التدقيق في تردّداتها.
أما في ما يتعلّق بمكان العبوة فقد أجرى خبراء اللجنة تحاليل القياس العصفي للانفجار وجاءت النتيجة أن الانفجار لا يمكن أن يكون جوفياً. وتمّ إثبات ذلك بعد إعادة دراسة الظواهر الحسية التي شوهدت في ساحة الجريمة (حجم النيران، وبقايا الكربون على واجهات الفنادق، والأذى الذي لحق بالمباني المجاورة بسبب الانفجار) من جهة، وتحليل تقارير الجرحى والمصابين وفحص الجروح الناتجة عن الانفجار (طبيعة الأضرار في الرئتين وفي طبلة الأذن) من جهة ثانية، والتدقيق في تطاير موجودات مسرح الجريمة (TRAJECTORY ANALYSIS) ومدى تناسبها مع خصوصيات انفجار فوق الأرض.
البحث عن هوية مفجّر موكب الحريري
كما استخدم خبراء اللجنة أحدث التقنيات في عملية البحث عن القاتل فبدأوا التدقيق في البقايا المجهرية لجثّته وخصوصيات الحمض النووي للتمكن من تحديد منشأه وأصوله الجغرافية من خلال مقارنة الخصوصيات. وفي هذا الإطار استخدم الخبراء نوعين من التحليلات العلمية: تحليلات إحصائية لترددات جينية مبنية على ملخّص للحمض النووي (STATISTICAL ANALYSIS ON ALLELE FREQUENCIES BASED ON THE NUCLEAR DNA) وتحاليل ذرّية لبقايا مجهرية لأغراض تعود للمفجّر وجدت في مسرح الجريمة (STUDY OF ISOTOPE DATA). وتبيّن للخبراء من خلال هذه الابحاث أن الشخص المزعوم لم يمض حياته في لبنان، لكنه أمضى آخر شهرين أو ثلاثة أشهر فيه قبل وفاته. ويضيف التقرير أن الخبراء يرجّحون أن هذا الشخص عاش في بيئة شديدة التلوّث لغاية عمر الـ12 سنة وفي بيئة أقلّ تلوّثاً خلال سنواته العشر الأخيرة، ما يدلّ على أنه عاش الفترة الأخيرة من عمره في محيط ريفي. لكن التقرير حرص في الفقرة 26 على ذكر محدودية الأبحاث العلمية وحذّر من استعجال التفسيرات بهذا الشأن.
تمثيل إلكتروني ثلاثي الأبعاد للجرائم
يستمرّ خبراء اللجنة الدولية بالعمل على إعادة تركيب مسرح الجريمة ووقائعها (CRIME SCENE RECONSTRUCTION) وفي هذا الإطار تقوم اللجنة بتصوير بانورامي الكتروني رقمي ثلاثي الأبعاد لجميع موجودات مسرح الجريمة قبل التفجير وأثناءه وبعده والمسار الذي سلكه موكب الحريري للوصول إليه، وذلك للتمكن من تحديد تفاصيل التغيّرات والتحرّكات. كما تستعين اللجنة بصور جوية التقطت من أقمار صناعية متطوّرة. وهذه العملية تتطلّب ثلاث مراحل، أنجزت اللجنة تقدّماً ملحوظاً واقتربت من إتمامها: التصوير الارضي بما فيه تصوير كاميرات المراقبة، ثمّ التصوير الجوي، ثمّ جمع الصور والمعايير الزمنية والدلائل البيولوجية والفيزيائية وإدخالها على برنامج الكتروني متطوّر. وسيسهّل ذلك عملية التدقيق في إفادات الشهود والمشتبه فيهم.
دراسة وتحليل الاتصالات الهاتفية
وما زالت اللجنة تدقّق بالاتصالات الهاتفية التي تمّت يوم وقوع الانفجار. وبحسب التقرير ركّز الخبراء على تحليل تردّدات موجات الاتصالات الهاتفية وتوقيتها، وباتت الروابط والصلات بين الاتصالات واضحة بالنسبة إلى التحقيق. أما في العلاقة بين خطوط الهاتف الخلوية الستة فقد بيّن التدقيق الإلكتروني في استخداماتها أن الفريق الذي نفّذ التفجير يوم 14 شباط 2005 قد استعملها. وبذلك توصّلت اللجنة الى بعض الاستنتاجات المرتبطة بما حصل قبل التفجير من احتمال مراقبة ومعرفة التحرّك، الى بعض التمارين على عملية الاغتيال. وتبلورت آفاق جديدة للتحقيق في هذا المجال يجري تحليلها بشكل مفصّل.