غسان سعود
مهمة نجيم تقتصر على تصويب المسيرة من دون السياسة

مرّة أخرى يتصدر مطران صالوناً سياسياً. ومرة أخرى تعلن مجموعة مسيحية التزامها ثوابت بكركي والسعي لوضع آلية عملية لتنفيذها. ولأنها ليست المرة الأولى ربما، بل سبقتها تجربة غير مشجعة لكثير من المسيحيين سُمّيت «لقاء قرنة شهوان»، لم يحظ «الملتقى» بالاهتمام السياسي والإعلامي الذي كان يتوقعه أهله. لكن، رغم الحركة البطيئة لـ«الملتقى»، ازدادت البلبلة حول دوره وأهدافه، وخصوصاً مع تكرر وجود النائب البطريركي المطران غي نجيم، المشهور بمثاليته، وسط أهله، وتكرار أعضائه التأكيد أنهم يعبرون عن تطلعات بكركي، علماً بأن البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير كان جازماً أمام أعضاء «الملتقى» الذين زاروه بأن مهمة نجيم تقتصر على تصويب مسيرة، إذا كانت بحاجة للتصويب. أما الأمور السياسية، فأعضاء «الملتقى»، دون المطران، يخوضون في غمارها.
البداية
تعود بداية الملتقى إلى 7/8/2003 عندما حصل النائب عبد الله حنا والوزير السابق يوسف سلامة على رخصة إنشاء «مساحة حوار لبنانية». يومها كان «لقاء قرنة شهوان» ما زال حيّاً يرزق، وفي قمة عطائه. وضمت الهيئة التأسيسية إضافة إلى حنا وسلامة، النائب بيار دكاش والأب البروفسور جورج حبيقة، نائب رئيس جامعة الكسليك. في 6 أيار 2006، أعلنت شرعة «الملتقى» من جامعة الكسليك، في حضور المطران نجيم ممثلاً البطريرك الماروني. وأكدت الشرعة أن «التهميش ينطوي على التطويع تمهيداً للإلغاء، على قاعدة العدد، بينما قبول الآخر ينطوي على الشراكة تمهيداً للوحدة على قاعدة الحق الإنساني والانتماء الوطني». ودعت إلى التسريع في التبادل الدبلوماسي بين لبنان وسوريا، مشددة على ضرورة إيجاد حل للفلسطينيين الموجودين في لبنان يضمن عودتهم إلى بلادهم. وغاب البحث في سلاح «حزب الله» رغم طرح «الملتقى» عدداً كبيراً من النقاط للحوار.
في 14/1/2007 قدّمت هذه المجموعة مبادرة لحل الأزمة اللبنانية لم تحظ بالاهتمام السياسي والإعلامي، وفي 6/3/2007 أعلن دكاش وسلامة الانطلاقة الجديدة لـ«الملتقى» بمشاركة المطران نجيم بصفته «مرافقاً للملتقى». وطالباً بـ«توضيح كل ما لا يزال غامضاً في مواد الدستور، إقرار اللامركزية الموسعة، وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية». وشدد سلامة يومها على عدم جواز المقارنة بينهم وبين لقاء قرنة شهوان، مشدداً على أن رعاية البطريرك «روحية».
ويؤكد سلامة لـ«الأخبار» أن «الأيام المقبلة ستوضح مضمون الرعاية البطريركية للقاء». وبحماسة، يقول الوزير السابق إن «الفراغ يكرس الموجود وإن ثمة مكاناً وحاجة لكل مشروع نخبوي، وخصوصاً إزاء تعطش الناس للحلول»، كاشفاً عن اجتماعات أسبوعية سيعقدها «الملتقى» ويخرج عند انتهائها ببيان رسمي وواضح (عقد أولها أمس). وستعتمد آلية تنفيذ للمشاريع التي تطرح، وخصوصاً أن أهل «الملتقى» يقدمون أنفسهم فريقاً سياسياً وليس تبشيرياً. وتجاوب الناس مع ما سيطرحونه سينتج تموضعهم في الحياة السياسية اللبنانية. ويقول سلامة إن ما يجمع عبدالله حنا، عضو كتلة «المستقبل» وبيار دكاش المقرب من «تكتل التغيير والإصلاح»، مثلاً، هو الوجع والقلق نفسهما على مستقبل لبنان. فيما يستغرب دكاش المقارنة بين القرنة و«الملتقى». ويشدد على «تبنينا ثوابت بكركي من منطلق إيماننا بما تضمنته، وموافقة كل القيادات الروحية والسياسية عليها»، مؤكداً «أننا نسعى بهدوء، وبعيداً عن الأنظار، لإيجاد حل للتسوية».
وعن مدى فعاليتهم في إحداث تغيير ما، يجيب دكاش أن «على المرء أن يسعى، وليس بالضرورة أن يدرك الكمال»، موضحاً أن وجود أشخاص من أحزاب وكتل سياسية مختلفة في «الملتقى» لا يتنافى مع ميولهم السياسية الأصلية. ولا يطلب من الأعضاء أن يتخلوا عن كتلهم النيابية، لكن ثمة تشجيع لهؤلاء على أن يزيدوا فعاليتهم في كتلهم ليتمكنوا لاحقاً من تقريب وجهات النظر بين مختلف الأفرقاء».
ويشير عضو مؤسس آخر إلى وجود «قاسم مشترك لكل الأعضاء يتمثل بدورهم الريادي في المطالبة بالحرية والسيادة والاستقلال طوال السنوات الماضية، ويتمتع هؤلاء، بالتالي، بصدقية تمكنهم من مخاطبة مجتمعهم المسيحي من دون خجل بماض ميليشياوي أو شريك في العصابة الفاسدة». ويرى أن «من سخرية المواطنية اللبنانية، حاجة البعض في لبنان إلى هزّة عاطفيّة بحجم اغتيال رئيس حكومة ليعي الحاجة إلى الاستقلال الفعلي، وكأن الاستقلال سلعة نفتقدها في لحظة غضب». وينهي كلامه بالأسف لـ«حقيقة أن السياسيين اللبنانيين لم يتبدلوا طوال 15 سنة، فيما تبدلت حال اللبنانييين من زمن اليسر إلى زمن العسر».
في المقــــــــابل، يقول أحد مؤسسي «لقــــــاء قرنــــــة شــــــهوان» إنه كان يتعاطى مع بعــــــض مؤسسي «الملتقى»، لكن «ســــــرعان ما اكتشفت عدم فعــــــاليتهم، وعدم قدرتهم على تحقيق أهــــــدافهم. وطرحهم إنــــــشاء «دكاكين» بدل «السوبرماركت». ويأسف المفكر المسيحي لافتقار هذا التجمع إلى الرؤية التكتــــــيكية، فضلاً عن وجود تناقضــــــات داخل المجموعة نفسها. وتؤكد مصادر قريبة من بكركي أن البطريرك «لا يتبنى هذه المجموعة، لكنه يشجع قيام الحركات السياسية التي تعمل في إطار التوجيه الكنسي العام، و«الملتقى» واحد منها. ويرفض المصدر بدوره المقارنة بين «القرنة» و«الملتقى»، مؤكداً أن «الأول كان يتولى رسمياً إعلان الشق العملي ــــــ السياسي من موقف الكنيسة، فيما الثاني لقاء سياسي مستقل أحب أن يكون ملاصقاً لبكركي».
ويرى السفير السابق سيمون كرم، أبرز مؤسسي «لقاء قرنة شهوان»، أن الظروف «اختلفت كثيراً عن المرحلة التي نشأت فيها القرنة. وأسباب انفكاك عقد القرنة تتعلق بمواضيع سياسية عميقة جداً في البيئة المسيحية، لم تعد تختصرها قوة ثالثة. ويرى أن مشكلة الساحة المسيحية سياسياً ليست بالانقسام الحالي، بل بالعدائية بين الكتلتين الرئيسيتين، وعدم قدرة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على تخطي ماضيهما». وبتفاؤل يقول كرم إن «الملتقى» سيصبح «بالحد الأدنى منبراً آخر»، وفي أفضل الأحوال «قوة إضافية»، من دون أن ينسى التأكيد أن «الاحتمالين إيجابيان».




... الاجتماع الأول: المساعي الجارية «تسوية ظرفية» لا ترتقي إلى مرتبة الحلّ

أبدى «الملتقى» خشيته من أن تتحوّل الأزمة السياسية الراهنة إلى «أزمة كيانية»، في ظل المعالجات المعتمدة التي «تقتصر على البحث عن تسوية آنية ظرفية، وقاصرة عن إيجاد حلول جذرية مديدة لمشاكل بنيوية تهدّد مستقبل الوطن والدولة»، مشيراً إلى أن المساعي الجارية لحلّ الأزمة «لا ترتقي إلى مرتبة الحلّ التاريخي».
وكان «الملتقى» قد عقد اجتماعه الأول، أمس في جعيتا، بحضور النائب البطريركي المطران غي بولس نجيم. إثر الاجتماع، أصدر بياناً انتقد فيه «التسوية الظرفية الهادفة إلى معالجة مسائل داهمة وصراعات اتفقت بعض القوى الإقليمية على إخمادها في مهدها خوفاً من اتساعها»، داعياً إلى ضرورة «التأسيس لحلّ نهائي يجسّد معنى لبنان»، وفق الأولويات التالية: «معالجة الثغرات الدستورية التي كشفها تطبيق اتفاق الطائف منذ إقراره، إقرار قانون للانتخابات النيابية يجسّد صحة التمثيل، إقرار اللامركزية الموسعة كشرط لتأمين النمو المستدام والإنماء العادل والمتوازن، وإعلان حياد لبنان الإيجابي وإخراجه من المحاور الإقليمية والدولية، باستثناء الحياد تجاه إسرائيل، الاتفاق على أسس بناء الدولة القوية القادرة على حماية الوطن والمواطنين، وضع رؤية وسياسة اقتصادية اجتماعية جديدتين».
كما ناشد «الملتقى» السلطة اللبنانية «أن تطلب من القمة العربية المساعدة على استصدار قرار من مجلس الأمن يطوّر القرارين 1559 و1701 ويضع آلية مفصلة على غرار القرار 1701 لحل موضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان».