طارق ترشيشي
أسبوع آخر دخلته البلاد، وما تزال الآفاق مسدودة أمام المحاولات والمساعي الجارية لإنهاء الأزمة الداخلية. لكن ثمة رهاناً لدى الجميع على أن هذا الأسبوع سيكون أسبوع الحسم في أمرين: الأول «إعلان النيات» الذي يفترض أن يسبق الاتفاق النهائي على حل الأزمة بين السلطة والمعارضة، والمرتقب أن تباركه المملكة العربية السعودية بلقاء يعقده أهل «الحل والعقد» في الموالاة والمعارضة في الرياض. والثاني بتّ مصير الوفد اللبناني إلى القمة العربية العادية المقررة في 28 و29 من الجاري في الرياض.
والواضح حتى الآن أن الحوار بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري لم يتوصل الى خلاصات نهائية لحل ينهي الأزمة بين السلطة والمعارضة، وأن الأفكار المطروحة لم ترقَ الى مستوى المعالجة المطلوبة لأن المعارضة تؤكد أنها لا يمكن أن تقبل بحل لا يضمن إعطاءها «الثلث الضامن» في حكومة الوحدة الوطنية، وإلا فإنها ستستمر في اعتصامها المفتوح وتطويره نحو خطوات تصعيدية جديدة يمكن أن تلجأ إليها بعد انتهاء أعمال القمة العربية.
وفي المقابل، فإن الفريق الأكثري لم يسلّم بعد بمطلب المعارضة على رغم أن الحوار انطلق بين بري والحريري، على أساس أن الأكثرية قبلت أو أن الرياض «مانت» عليها وانتزعت منها موافقتها على إعطاء المعارضة «الثلث الضامن». وأكثر من ذلك، فإن الأكثرييين يحاذرون تقديم أي تنازل لخشيتهم من أن تُسجل هزيمة لهم، ولكن ما يخفي هذه الخشية لديهم هو رهانهم على الموقف الأميركي ورغبتهم في التريث بولوج الحل أو الإعراض عنه مع المعارضة، في انتظار ما ستتخذه الإدارة الأميركية من خيارات سلمية أو عسكرية في ضوء المفاوضات التي باشرتها مع دمشق وطهران من خلال مؤتمر دول الجوار العراقي الذي انعقد أخيراً في بغداد وسينعقد مجدداً الشهر المقبل في تركيا.
بعض أركان المعارضة يرون أن عامل الوقت بات يلعب لمصلحتها، سواء اتفقت واشنطن مع دمشق وطهران على «الخروج اللائق» لجيشها من العراق أو قررت شن حرب ضدهما معاً أو ضد طهران على الأقل. ويُنقل عن قطب كبير في المعارضة قوله: «من مصلحة الأكثرية الآن وغداً أن تقبل بتسوية مع المعارضة على أساس حكومة 19 + 11، وإذا رفضت فستكون هي الخاسرة، ولن تكون لدى المعارضة أي مشكلة لأن كل المعطيات الآن تتجمع لمصلحتها». ويضيف أن الأكثرية «ستكون خاسرة سواء قبلت بالتسوية الآن أو ظلت على مواقفها، إلا أن قبولها بالشراكة مع المعارضة يبقى أقل كلفة عليها، بل يحفظ لها موقعها في السلطة. أما إذا ظلت على رفضها وعلى رهاناتها الإقليمية والدولية فإنها ستخسر هذا الموقع نهائياً. وإذا كانت ما تزال تراهن على ترياق سيأتيها من العراق ومن ضربة عسكرية أميركية لإيران، فعليها ألا تفاجأ إذا استفاقت يوماً على غرق حاملات طائرات!».
رئيس الجمهورية العماد إميل لحود يقول لزواره، هذه الأيام، إن الوقت لمصلحة الخط السياسي الذي يمثله، وللقوى الحليفة له، وإن الفريق الأكثري سيبدأ بالتفكك فرقاً ابتداءً من أيار المقبل عندما يغادر الرئيس جاك شيراك قصر الإليزيه ليواجه المساءلات والمحاكمات أمام القضاء الفرنسي. ويحمّل لحود الرئيس الفرنسي «المسؤولية الكبرى عن كل ما أصاب لبنان، وهو من يقف وراء الأكثرية في كثير من المواقف السلبية التي تتخذها وتحول دون خروج البلاد من أزمتها الراهنة، وعندما سيخرج من الرئاسة الفرنسية سيفقد الفريق الأكثري داعماً قوياً. ومن الآن يمكن القول إن الرجل لم يعد لديه ما يعطيه ولم تبق له إلا الزيارة التي سيقوم بها الشهر المقبل الى روسيا، لكن ماذا يمكن لموسكو أن تقدم لرئيس لم يبق من ولايته سوى بضعة أسابيع؟».
وفي الحديث عن القمة العربية والوفد الذي سيُرافقه إليها، يكرر لحود رفضه المطلق أن يكون رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في عداد هذا الوفد «إلا في حالتين: أن يستقيل لتصبح حكومة شرعية مستقيلة، أو أن يكون رئيس حكومة شرعية يتم الاتفاق عليها الآن بين الأكثرية والمعارضة، وتزول معها الأزمة العاصفة بالبلاد منذ بضعة أشهر». ويؤكد لحود أن المسؤولين السعوديين عبّروا له عن رغبتهم بضم السنيورة الى الوفد ليذهب لبنان الى القمة العربية موحداً، و«جوابي لهم كان، ولا يزال، أن وضع السنيورة غير شرعي لأن حكومته فقدت شرعيتها الدستورية. فليستقل أو فلتؤلّف حكومة جديدة دستورية، وعندها يصبح تلقائياً في عداد الوفد الى القمة. وفي إمكانكم إذا شئتم أن تستقبلوه كضيف، لكني لا أقبل بأن يكون له مكان في مقاعد الوفد اللبناني ولا دور له في القمة».
ويعود رئيس الجمهورية بالذاكرة إلى قمة بيروت عام 2002 وكيف أصرّ يومها على إدراج بند حق العودة للاجئين الفلسطينيين بموجب القرار الدولي 194 في مضمون مبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله للسلام بين العرب وإسرائيل، التي تبنّتها القمة وصار اسمها «المبادرة العربية للسلام». ويؤكد أن لا مشكلة لديه في أن تعاود القمة التأكيد على هذه المبادرة، لكنه سيرفض ومعه كثير من الدول العربية أي محاولة لتعديلها، وخصوصاً لجهة حذف بند «حق العودة» للفلسطينيين، لافتاً الى ما يجري حالياً من تحركات أميركية وإسرائيلية تهدف الى الضغط على القمة العربية لكي تعدل المبادرة بما يرضي إسرائيل.