strong> غسان سعود
  • إلياس عطا الله: الحركة تجربة غير نهائية لا تزال قيد التأسيس

    عشية المؤتمر العام لـ“حركة اليسار الديموقراطي” في 15 نيسان ــ أبريل المقبل، يجاهر شباب الحركة بتعدّد آرائهم واختلافها عن موقف حركتهم الرسمي. في المقابل يرى قياديو الحركة أن التباينات الداخلية لا يمكن أن توصل إلى “طلاق” وتبقى في إطار الاجتهادات المختلفة

    يعبّر كثير من الشبان، المحازبين والمستقلين، في تجمّعاتهم الصغيرة عن خيبتهم من تجربة “اليسار الديموقراطي”، وانضمام الحركة بسرعة مذهلة إلى نادي المجموعات السياسية التقليدية. وتطال هذه الخيبة كثيراً من “الرفاق” في الحركة الذين يعزون تعثّرهم في بلوغ ما يهدفون إليه إلى سببين رئيسيين: الهجوم المضاد الذي قام به النظام السوري على انتفاضة الاستقلال، وتعرض الحركة للاستهداف المباشر عبر اغتيال أحد مؤسسيها الشهيد سمير قصير، وصديقها في السياسة جورج حاوي. إلا أن التعثر لا ينتج يأساً عند هؤلاء اليساريين، فيحتدم نقاشهم وتتعدد آراؤهم، حتى داخل المجموعة الواحدة، وتكثر “الغمزات” والإشارات لقول هذه أمام الإعلام والسكوت عن تلك.
    والنتيجة أنه بعد ثلاثة أعوام على انطلاقة “حركة اليسار الديموقراطي”، صار يمكن الحديث عن وجود ثلاثة مكونات أو أكثر داخل الحركة، كما يقول أحد شبابها، عشية الانتخابات الداخلية التي ستجري في 15 نيسان ــــــ أبريل المقبل. ويشدد اليساريون الديموقراطيون، المفتخرون بتعدد الآراء في حركتهم، أن الاتفاق على “لائحة توافقية” لا يعني عدم وجود عدة تيارات.
    البداية الرسمية لـ“الديموقراطية الداخلية” سُجّلت إثر اعتبار مجموعة من المحازبين أن التقرير السياسي الذي تقدّمت به “الهيئة الوطنية” إلى الأعضاء في حزيران 2006 جاء دون مستوى طموحاتهم، فسحبت القيادة التقرير وشكلت لجنة صياغة جديدة ضمّت كل الذين سجلوا ملاحظاتهموهكذا بدأت تتشكل المجموعات داخل الحركة محاولة إيصال أفكارها، وخصوصاً بعد الصدى الكبير الذي خلفته رسالة “إلى رفاقنا في حركة اليسار الديموقراطي” التي وجهها الزميلان زياد ماجد وإلياس خوري في عزّ العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتضمنت انتقاداً بنّاء لـ“حزب الله” من جهة، ولسلوك الأكثرية النيابية من جهة ثانية. وتتمثل الاستراتيجية الاعتراضية في حال وجود خلل بتحديد المشكلة، توضيح الموقف، ثم دعوة المحازبين إلى اجتماع في مركز الحركة من دون إذن من القيادة لبحث هذه المشكلة.

    مآخذ الشباب

    يسجل حسين يعقوب وطارق هاشم، الناشطَين في الحركة، عدة مآخذ على قيادة النائب إلياس عطا الله، تبدأ بحاجتهم كمجموعة إلى تظهير الخطاب اليساري وتحديد دور الحركة في المرحلة الحالية، ثم المجاهرة بأن “الأزمة لا تقتصر على الحكومة والمحكمة، بل تطال النظام المأزوم بحد ذاته. إضافة إلى ضرورة نسج الحركة لتحالفات مع حركات العولمة البديلة، وتقديم موقف اقتصادي واضح ونقد عملي للإصلاحات التي تبنتها الحكومة إثر مؤتمر باريس3”.
    أما بالنسبة إلى المقاومة، فهما يحددان مشكلتهما الأساسية معها بـ“البعد الديني لحزب الله، وتقديمه نموذجاً للدولة الطائفية”. ويؤكدان أن وصول الإسرائيلي في عدوانه الأخير إلى مدينة صور كان سيدفعهما بالتأكيد إلى حمل السلاح. ويوضحان رغبتهما بتعزيز ورقة المقاومة عبر دمجها في الجيش “ليكون الجيش مقاوماً كما كان طموح اليسار اللبناني دوماً”. ويشدد يعقوب على الرفض المطلق لخيار عزل فريق لبناني مثل “حزب الله”، مشيراً في الوقت نفسه إلى اعتقاده بوجود مشروع أميركي خطير في المنطقة. وينهي وزميله تعداد مآخذهما بالتأكيد أن “تجمّع 14 آذار السياسي لا يفترض أن يكون نهاية الحراك السياسي. وممارسة هذا الفريق لسياسة حكومية كالتي انتهجت طوال السنوات الخمس عشرة الماضية تفرض على حركة اليسار الديموقراطي أن تكون معارضاً عنيفاً له”.

    أسباب التخاذل

    هذه النقاط يعرفها أمين سر “حركة اليسار الديموقراطي” إلياس عطا الله، وسمعها مراراً من أعضاء حزبه. يحاول تبرير بعضها، والجلوس على يمين شبابه في بعضها الآخر. فيعزو بداية سبب غياب الإبداع في الحركة إلى “انقطاع مسار تطور البلد بشكل طبيعيوتعديل الأولويات”. ويشير إلى “انتصار الحركة في معركتين كانتا في صلب أولوياتها، هما الخروج العسكري السوري من لبنان، وإرسال الجيش إلى الجنوب”. ويقول إن “ثمة بديهيات أوليّة تتلاقى حولها حركة اليسار الديموقراطي مع قوى أخرى، كما تختلف مع القوى نفسها في النظرة إلى مضمون الدولة”. هم يتفقون مثلاً على مبدأ ترسيخ الدولة ويختلفون على مضمونها، اللاطائفية الإدارية، قانون الانتخابات، السياسة الاقتصادية، ومبدأ توزيع الثروة. لكن هذه الاختلافات تختبئ خلف “مقاومة” الخطر الذي يهدّد استمرارية الدولة ويتمثل بحزب الله، وفقاً لعطا الله الذي يؤكد أن “ثمّة نقاشاً كبيراً اليوم في سبل التوفيق بين معركتي الاستقلال والإصلاح، وأسبقية الواحدة على الأخرى. إضافة إلى تذمّر بعض الحركيين من الموقف الرسمي للحركة القريب جداً من 14 آذار”. لكن هذا لا يعني، بحسب عطا الله، أن ثمة خلافات داخلية أو حركة انشقاقية. ويربط أسباب “التغطية” على اليسار الديموقراطي في حركة 14 آذار السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية بتعرّض الحركة “أكثر من غيرها لضربات موجعة أبرزها استشهاد الصحافي سمير قصير والرفيق حكمت العيد، إضافة إلى ابتعاد بعض الرفاق، وغياب هذه التكوينات ينتج وحدانية الصورة”. وعن وجود لائحة منافسة للائحته في انتخابات الشهر القادم، واحتمال انتخاب أمين سر جديد للحركة، يقول عطا الله إن ثمة حقاً مطلقاً في هذا الأمر، ولا شيء يحول دون تحقيقه.

    أفكار وقضايا للنقاش

    بموازاة احتدام النقاش بين الشباب والقيادة، يبدو نائب رئيس الحركة زياد ماجد أكثر انسجاماً في سعيه لتطوير دور الحركة. وجديده كتيب يطرح “أفكار وقضايا للنقاش” بعنوان “أن تكون يسارياً في لبنان اليوم”. يرفض ماجد حجج البطء في العمل، مؤكداً وقوفه ضد مبدأ “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” الذي تعتمده التيارات القومية والإسلامية والشيوعية لتأجيل كل شيء. وهو ما تحذر منه وثيقة “اليسار الديموقراطي” السياسية.
    ويرى ماجد ضرورة للأخذ بعين الاعتبار “أن مقاييس تقييم العمل اليساري أكثر صرامة من تقييم كل القوى الأخرى التي تعتمد بمعظمها على العصبية”. إضافة إلى أن “متطلبات الوضع الحالي كانت أكبر من طاقة تحمّل اليسار الذي دخل في انتفاضة الاستقلال قبل أن ينهي بناء تنظيمه ومؤسساته القادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الأعضاء الجدد. حتى الفريق القيادي كان صغيراً جداً. ولاحقاً تعرّضت الحركة للضربات (التي ذكرها عطا الله) وهي كانت القوى الأقلّ تحصيناً، ما جعلها بحالة تنظيمية هشة”. ويعزو تراجع الزخم التغييري إلى أربعة أسباب هي: “التحالف الرباعي والتحالفات النيابية الأخرى، عدم إسقاط الرئيس إميل لحود، المشاريع الخاصة ببعض السياسيين، خطاب العماد عون في 7 أيار ومقاربته الاختزالية لانتفاضة الاستقلال”. ويقول إنه قدم وسمير قصير وإلياس خوري وحتى إلياس عطا الله عدة مقالات نقدية للمرحلة التي تلت 14 آذار، وحصلت نقاشات متشعبة داخل “اليسار الديموقراطي” وخارجها مع ديموقراطيين يساريين وليبراليين ونقابيين سابقين شاركوا في 14 آذار، بهدف تكوين قطب علماني يكون هامشه أكبر من هامش الحركة. لكن هذه المحاولات فشلت. ويوضح أن “المبدأ الكلاسيكي في الاجتماع السياسي ينص على جعل التموضع أولوية على التفكير الهادئ بالبدائلويرى القيادي اليساري الشاب أن “التنوّع والنقاشات هي أمور واقعة في الحركة، والمهم تثميرها في بناء مؤسساتي وشكل تنظيمي يجمع بين التنوع الفكري والفاعلية السياسية، وخصوصاً أن الحركة كبرت إعلامياً وسياسياً قبل تكوّن جسمها بشكل منظم وفعال”. ويعيد بروز “الرفيق إلياس” أكثر من غيره على الصعيد الوطني لتفرّغه الكامل للعمل السياسي. ويرى أن التباينات بين أهل الحركة لا يمكن أن توصل إلى “طلاق”، لكن تبقى في إطار الاجتهادات المختلفة، والاختلافات مع ملاحظة الالتفاف أحياناً كثيرة حول قضايا مشتركة.
    وسط تعدّد الآراء والمجموعات داخل الحركة، يسأل أحد شبانها عن مصير “ائتلاف اليسار على تنوّع مكوناته”، لأن “معركة اليسار الأساسية هي في الدفاع عن قضايا المهمّشين والمستغَلّين والمعوّقين”. ويسأل عمّا قدمه نائب اليسار بعد سنتين في المجلس النيابي. الجواب – التبرير، عند عطا الله مرة أخرى، الذي يؤكد أن “الحركة هي تجربة غير نهائية، لا تزال قيد التأسيس”، فيما يرى الشباب أنهم اكتفوا حتى اليوم بتقديم طروحات يسارية للنقاش، وهم لا يطلبون الآن من منتقديهم، اليساريين خصوصاً، أكثر من لقاءات هادئة لبحث هذه الطروحات.


    احترام الاختلاف


    يُعَدُّ عضواً في “حركة اليسار الديموقراطي” كلّ شخص أتمّ الثامنة عشرة من عمره، يتبنّى أهداف الحركة، ويعلن عن رغبته في الانضمام إليها والالتزام بنظامها الداخلي. وتسمح الحركة للمجموعات المنظّمة بأن تنضم إليها. ويحق للعضو وفق المادة الرابعة من النظام الداخلي أن يعبر عن رأيه أينما شاء، من دون أن يتعرض لأية إجراءات. ويحق له وفق النظام الداخلي “التمسك بوجهة نظره ورأيه، المتعارضَين ربما مع الرأي الرسمي للحركة، والعمل لتحويلهما إلى تيار وذلك من خلال النشر والاتصالات مع أعضاء الحركة كافة”، فيما يتعرض العضو لعقوبة الفصل من الحركة إذا ارتكب “خيانة وطنية، أو أفعال شائنة أو شهّر بسمعة الحركة بشكل متعمد وواضح”. ومن أجل تجسيد مبدأ تداول المسؤولية “لا يحق لرئيس الهيئة الوطنية العامة أو نائب رئيس أو أمين سر أن يتولى المسؤولية لأكثر من ولايتين متواصلتين”.
    ويحدّد نظام الحركة الداخلي انتخاب كل أعضاء الحركة لقيادتها، وكل هيئاتها المناطقية والقطاعية، على أساس النسبية. ويتنافس اليساريون الديموقراطيون وفق اصطفافات تبعاً للتيارات والبرامج المتعددة. وتعاون هذه التيارات، بحسب النظام، “يخدم القضية”. ويقوم المفهوم الديموقراطي للتنظيم على احترام الاختلاف، وعلى أساس وجود تيارات وبالتالي أكثرية وأقلية. ويرى الياس عطا الله عشية مؤتمر الحركة العام، أن ثمة نقصاً في التواصل وانتظام عمل المؤسسة، وفي تجذر فهم المسألة الديموقراطية بصفتها مولّدة لفاعلية مختلفة عن الفاعلية الأوامرية، الأمر الذي ينعكس نقصاً في الإبداع وتشتتاً. ويوضح “أن ثمة جمهوراً يسارياً واسعاً يدعم اليوم معركة الاستقلال، ولديه نزوع للإصلاح، لكنه غير مؤطر بعد، ويحتاج إلى جهد كبير لجذبه نحو المؤسسة اليسارية”.


    «انتفاضة في الانتفاضة»


    أثارت رسالة “إلى رفاقنا في حركة اليسار الديموقراطي” التي نشرها إلياس خوري وزياد ماجد، أبرز مؤسسي الحركة بتاريخ 29/ 07/ 2006 بلبلة حول حصول انقسام أو انشقاق داخل الحركة. وتضمنت الرسالة يومها أسفاً لغياب عدد من “الثوابت” عن بال بعض الرفاق والأصدقاء والحلفاء. جاء في الرسالة آنذاك: “رغم الخلاف مع “حزب الله” على عدد كبير من النقاط، لم نكن يوماً حياديين تجاه المعركة الدائرة مع العدو الإسرائيلي، ولم نكن يوماً مع التخلي عن التزامنا بمقتضيات الصراع معه وفق إمكانات لبنان ومصالحه”.
    أما “الانتفاضة في الانتفاضة” التي كتبها الزميل الشهيد سمير قصير في 1 نيسان 2005 فتضمنت انتقاداً لقوى 14 آذار. وأشار فيها إلى أن “ما فعله ثلث الشعب اللبناني في ذلك اليوم (14 آذار) كان تأكيده أن الحالة الاستقلالية التي تعيشها البلاد أكبر بما لا يقاس من كل من ساهموا في صنعها ومن سعوا إلى قيادتها، وأنها أكبر حتى من محصّلة كل هؤلاء، مهما يكن دورهم الماضي أو الحاضر... إن الصفحة الجديدة في التاريخ اللبناني انفتحت، وإن هذه الصفحة تتطلب نوعية جديدة من القراءة”. ويقول قصير في الرسالة أيضاً: “لا حاجة إلى تفنيد بعض التصرفات الأنانية لهذا أو ذاك من وجوه المعارضة. أو لجرد الأخطاء التي وقعوا فيها. إلا أنه لا يمكن غير التوقف عند إشارات التململ التي يرسلها الجسم الاجتماعي إلى المعارضة برمتها (...) لكن المصدر الأكبر للتململ قد يكون في شعور المواطنين بأن لحظة الانتصار هي لحظة للقطف، وليست لحظة للتأسيس. إزاء بعض الوجوه التي تبدو متسلحة برؤية مستقبلية ومسلكية سوية، بات يهدد مشهد المعارضة أنه يزخر بوجوه أخرى لا يعنيها إلا أن تكون في المكان والوقت المناسبين، سواء تعلق الأمر بالانتخابات النيابية أو بالاستحقاق الرئاسي”.