دمشق ــ إبراهيم عوض
وضع الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد حداً للتفسيرات والتحليلات التي رسمت صورة للعلاقات السورية السعودية، تراوحت بين الجمود والتوتر، إذ وصفها في الحديث الذي أدلى به إلى صحيفة «الجزيرة» السعودية بأنها «تمر بحالة جيدة}

هكذا صدقت توقعات قيادات ومرجعيات سياسية في لبنان تابعت خط سير العلاقات بين دمشق والرياض وربطت نجاح المساعي الجارية لحل الأزمة اللبنانية بتحسن هذه العلاقات التي لخصها رئيس مجلس النواب نبيه بري بعبارة «س. س»، وبادر الأسد إلى إطلاق مواقف من شأنها إزالة «الغيمة» التي ظللت هذه العلاقات منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان الصيف الماضي، وإثر خطاب أدلى به بعدها وجدته القيادة السعودية إساءة لها.
وكان الرئيس سليم الحص الذي زار الرياض ودمشق الشهر الماضي قد تناول مع كل من العاهل السعودي والرئيس السوري وضع العلاقات بين البلدين، ولمس من الأخير تأثراً مما سمعه عن «جرح» أصاب الملك عبد الله بن عبد العزيز بفعل الخطاب المذكور، الأمر الذي جعل رئيس الحكومة الأسبق يخرج بانطباع مفاده أن الأسد لن يدع الأمور تبقى على ما هي عليه.
وفيما كانت المعلومات تتحدث عن احتمال قيام الأسد بإلقاء خطاب بمناسبة ذكرى الثامن من آذار يوجه من خلاله رسائل ودية إلى المملكة قيادة وشعباً، الأمر الذي لم يحصل، جاء حديثه إلى «الجزيرة» حاملاً هذه الرسائل التي حرص فيها على التوقف عند ما بلغه من أقوال للعاهل السعودي في معرض عتبه على القيادة السورية من أنه يستغرب إقدام الأخيرة على ما أقدمت عليه «وهو الذي حضنها منذ اللحظة الأولى لوفاة الرئيس حافظ الأسد ومكث أياماً في دمشق إلى جانب نجله الدكتور بشار وعائلته».
وقد استعرض الرئيس الأسد المراحل التي مرت بها علاقته مع الملك عبد الله منذ أن كان الأخير ولياً للعهد، وحين كان يأتي إلى سوريا بشكل منتظم ويلتقي والده وقال: «إن لقاءات عدة حصلت بينه وبين الأمير عبد الله ــ الملك الآن ـــ وأعتقد أنها تعود إلى ثلاثة عشر عاماً بالضبط، أي إلى عام 1994، عندما عدت من لندن بعد إتمام دراستي».
وفي إشارة معبرة إلى ما يكنه للعاهل السعودي من تقدير واحترام، أكد الرئيس الأسد «أن العلاقة بيننا وبين الملك عبد الله هي علاقة عائلية وعلاقة أخوة، وطبعاً هو أكبر بالعمر، هو من جيل الوالد». كما لم يفت الرئيس السوري رد التحية لما قام به الملك عبد الله «الشفاف والصادق» تجاه سوريا إثر وفاة والده وتسلمه الحكم من بعده، إذ أعرب عن أمتنانه لوقوفه إلى جانبه بشكل مباشر. ولفت إلى أن «هذا الموقف تعرفه كل سوريا، وقد كان وفياً جداً مع الرئيس حافظ الأسد ومع سوريا من خلال المراحل الأخيرة التي تعرضت فيها سوريا لهجمة شرسة جداً». وأكد «أن الملك عبد الله، عندما كان ولياً للعهد، وبعد أن أصبح ملكاً، كان يدافع بشكل واضح عن سوريا، وفي المقابل نحن نبادر وفاء الملك عبد الله بوفاء مشابه».
وإذا كان كلام الأسد يمهد لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، يُنتظر أن تشهد مزيداً من الانفتاح والتقارب في الرياض، فإن مسؤولاً دبلوماسياً سعودياً بارزاً توقع أن تنعكس هذه الأجواء الطيبة على مجريات القمة العربية ونتائجها، وخصوصاً أن دمشق أبلغت كل من يهمه الأمر أنها ستعمل جاهدة على إنجاح هذه القمة. كما علمت «الأخبار» أن الرئيس الأسد سيطلق المزيد من المواقف الداعمة للقمة وللدور السعودي في حديث تنشره صحيفة «الوطن» العمانية في الأيام المقبلة.
وفي هذا السياق تأتي جولة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع على عدد من الدول العربية، وقد بدأها بالقاهرة ومن ثم بالجزائر قبل أن يتوجه منها إلى طرابلس الغرب. وأوضحت مصادر سورية مطلعة أن جولة الشرع هذه تندرج في إطار التشاور وتنسيق المواقف قبل التوجه إلى القمة.
هذا وأعربت المصادر المذكورة عن استيائها من محاولة بعض الجهات العربية «التشويش» على الزيارة التي قام بها الشرع إلى القاهرة، والإيحاء بإخفاقها في ترتيب قمة ثلاثية تجمع الرئيسين الأسد ومبارك والملك عبد الله نتيجة رفض الأخير لقاء الرئيس السوري قبل القمة العربية في الرياض، وأفادت بأنه لم يكن هناك طلب سوري لعقد مثل هذه القمة.
على صعيد آخر أبدى مصدر سوري مسؤول استغرابه لما أوردته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية من وجود رسالة بعث بها الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى الحكومة الإسرائيلية يحرض فيها على مهاجمة سوريا وإسقاط نظام حكم الرئيس بشار الأسد، ورأى أن هذا الموقف، في حال صحته، ينم عن خطأ في الحسابات ونتيجة لتصرف ذاتي. كما انتقد المصدر الأسلوب الذي تعاملت به السلطات الفرنسية مع الخبر الإسرائيلي، مكتفية بإصدار تكذيب «باهت» في وقت تصدّر فيه الخبر المذكور العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وبقي قيد التداول لساعات طويلة قبل أن تسمع كلمة فرنسية بهذا الخصوص.