عرفات حجازي
بري قال ما يجب أن يقال وأودع الباقي في بئر عميقة


وأخيراً خرج رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن صمت استمرّ ستة أشهر بقي خلالها مصرّاً على إيجاد مساحة للحوار والتلاقي بين القوى السياسية المتصارعة ومفسحاً في المجال أمام الوساطات والمبادرات العربية والإقليمية لرأب الصدع والمساعدة على ولادة اتفاق ينهي الأزمة السياسية العاصفة في البلاد.
قال الرئيس بري في مؤتمره الصحافي كل ما يجب أن يقال مبقياً الكثير في البئر العميقة لأنه لا يريد قطع خيوط التواصل مصمماً على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري ومع أي طرف مستعد لحوار له جدوى. فعلى امتداد تسعين دقيقة خاض بري في وقائع الحوارات التي تعدّت بكثير ما هو معلن عنها كاشفاً الحقائق بالتفاصيل وموضحاً كل الخبايا والالتباسات بوقائع لا يمكن دحضها، واضعاً الإصبع على الجرح والنقاط على الحروف حتى يكون الرأي العام المحلي والعربي والدولي على بيّنة مما يجري وعلى اطّلاع دقيق على المراحل التي مرّت بها الأزمة منذ دعوته إلى جولات الحوار في الثاني من آذار عام 2006.
غير أن الحقائق التي قاربها رئيس المجلس في مرافعته بلهجة هادئة مع درجة عالية من ضبط النفس بعيداً عن الافتراءات والتجريح، مع إصراره على إبقاء الأمور تحت سقف التهدئة، دفعت بالمملكة العربية السعودية ودبلوماسيتها المتحفظة إلى الخروج عن حذرها المعهود في تناول المسائل الداخلية اللبنانية، فثبّتت بلسان سفيرها في لبنان الدكتور عبد العزيز خوجة مواقف بري مسبغاً عليه صفة رجل الدولة وممتدحاً سياسته الوطنية الواضحة ووضعه للأمور في نصابها، وأثنى على إيمانه واستعداده الدائم للحوار سبيلاً للإنقاذ.
وقد قرأ كثيرون في كلام السفير السعودي توجيهاً مباشراً من الملك عبد الله الذي رأى أن محاولات العرقلة والمشاغبة على الحوار المنتج بين بري والحريري هو تجاوز لدور المملكة في رعايتها لهذا الحوار وتوفير سائر الضمانات المطلوبة لإنجاحه. والرسالة السعودية الواضحة في مضمونها لم تذهب في الهواء، فجاءت أولى نتائجها بتجاوز الاحتقانات التي حصلت بسرعة والإيجابية التي أبداها سعد الحريري للسعوديين لملاقاة إيجابيات الرئيس بري من خلال استكمال حلقات الحوار وحل نقطة الخلاف العالقة حول مسألة الحكومة بعد الضمانات المكتوبة التي تحدث عنها الرئيس بري بعدم استقالة الوزراء أو غيابهم من الحكومة بما يؤدي لاعتبارها مستقيلة أو معطلة. بالإضافة إلى ضمان المملكة العربية السعودية التي تسعى جاهدة لإنهاء الأزمة قبل موعد القمة العربية.
وإذا كان البعض قد وضع إلغاء المؤتمر الصحافي لرئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الذي كان مقرراً أمس في خانة الاستجابة للرغبة السعودية بالتهدئة والحفاظ على مناخات الحوار، فهو سارع إلى نفي أن يكون إلغاء المؤتمر جاء بطلب من الحريري أو من السفير السعودي، لافتاً إلى أن للحوار أسساً غير متوافرة، ومتسائلاً عن ورقة في مكان ما كُتبت وأعطيت للمسؤولين السعوديين، طالباً من الحريري وغير الحريري أن يكشف أبعاد هذه الورقة الواضحة حول نيات الفريق الآخر.
على أن كلام جنبلاط جاء متناغماً مع ما تقوله القوات اللبنانية لجهة التشكيك بالحوار الذي يقوده عن فريق الموالاة النائب الحريري بالتأكيد على أن المهم ليس من يحاور بل المهم من الذي يقرر، إضافة إلى الغمز من صدقية المملكة العربية السعودية ورعايتها لحوار عين التينة. وكان نائب رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية جورج عدوان واضحاً عندما قال: الضمانة التي نطلبها هي ضمانة الدستور مع احترامنا للمملكة ولسفير المملكة.
وقد فسّر مراقبون مواقف صقري الأكثرية بأنه بمثابة احتجاج على التبنّي السعودي لمواقف بري وإضفاء الصدقيّة عليها، وهذا ما مثّل إحراجاً وإرباكاً وبلبلة في صفوف الغالبية النيابية وزاد من مخاوفها بدفع الاستياء السعودي من ممارسات الأكثرية إلى إعادة النظر في ضغوطهم الإيجابية والمعنوية ورفعها إلى مستوى الضغوط السلبية وكشف المعرقلين والمعطّلين لمشاريع التسوية ودفع البلاد إلى المهالك والانهيار.
ويعرب مرجع سياسي كبير عن اعتقاده بأن ما حصل في الساعات القليلة الماضية وضّح جوانب الصورة وحدّد المسؤوليات وأعطى للحوار الذي سيستأنف في عين التينة قوة دفع ودعم سياسي، الأمر الذي يبقي على احتمالات التوصل إلى اتفاق قبل انعقاد القمة العربية قائمة ولا سيما أن الحلول جاهزة، مثلما قال السفير خوجة بعد لقائه لرئيس الحكومة، وما على الأطراف سوى المصادقة عليها بما يعيد الأوضاع إلى طبيعتها في لبنان ويعيد العافية إلى النسيج الوطني بشراكة كاملة وبتوازنات سياسية منصفة للجميع.