وفاء عواد
«الإدارة» تدرس تعديل «أصول المحاكمات» تسهيلاً للتحقيق والاتهام واختصاراً للمهل

«حيث ثمة سلطة لا يمكن تصوّر ألّا تكون هناك محاسبة»
يختصر عضو كتلة تيار «المستقبل» النائب بهيج طبّارة الواقع الحالي بالقول: «نعيش أياماً على هامش الدستور»، إذ إن القوانين أصبحت «أفخاخاً» والتباين في الاجتهاد «يحدث قلقاً على الأمان القانوني الذي هو من المبادئ الضرورية لانتظام الديموقراطية وحسن سيرها»، فيما لبنان منقسم بما يجعله على «فوهة بركان».
في ظل هذا الواقع، يلفت طبّارة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه يواظب على حضور جلسات لجنة الإدارة والعدل بصورة شبه دائمة، علماً بأنه ليس عضواً فيها، باعتبارها «مطبخاً لأكثر القوانين»، مسجّلاً ملاحظته على «افتقادها النصاب، مرات عدة ومتكرّرة، بشكل لافت».
وانطلاقاً من قناعته بأنه «حيث ثمة سلطة، لا يمكن تصوّر ألّا تكون هناك محاسبة»، يطرح طبّارة السؤال: «كيف تتمّ المحاسبة، ولدى أيّ مرجع؟»، لينطلق منه إلى حيثيات اقتراح قانون تدرسه لجنة الإدارة حالياً، ويقضي بتعديل «قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء» المنصوص عليه في المادة 80 من الدستور، كما طرحته هيئة تحديث القوانين وتبنّاه رئيس اللجنة النائب روبير غانم.
وإذ دعا إلى ضرورة «التوفيق بين اعتبارين: محاسبة الوزير، مع مراعاة تشجيعه على أخذ القرار»، مع إشارته إلى خلو الدستور والقوانين الوضعية من أي نصّ «يولي الوزير حصانة ما»، يرى طبّارة أن المادة 70 من الدستور (المتعلّقة بمسؤولية الرؤساء والوزراء) نشأت عن إشكالية قديمة: فمن جهة، لا بدّ من أن يخضع المسؤول السياسي للمحاسبة، إحقاقاً لمبدأي المحاسبة والعقاب. ومن جهة ثانية، كان لا بدّ من حماية الوزراء من الملاحقات الكيدية التي يمكن أن يتعرّضوا لها بحكم موقعهم، لأن معاملة الوزير عندما يمارس مهماته كأيّ مواطن عادي تؤدي به إلى أن يصبح «زائراً دائماً للمخافر» للردّ على الشكاوى التي ترد ضده.
ولفت إلى أن «لا خلاف، اليوم، على أن الوزير يلاحَق ويحاكم أمام المحاكم الجزائية العادية»، يتساءل: ماذا لو أخلّ الوزير بالواجبات المترتبة عليه؟ كيف يلاحق ويحاكم؟ وما هو المقصود بالإخلال بواجبات الوظيفة؟
جواباً عن هذه الأسئلة، يؤكد طبّارة أن المادة 70، التي بقيت بنصّها الأصلي منذ عام 1926، أصبحت «سبباً للتباين والخلافات، بدلاً من أن تشكّل حلاً لهذا الموضوع»، إذ إن «المحاكم الجزائية، قبل عام 1999، كانت تعتبر أنها غير مختصّة لملاحقة الوزير بشأن أفعال منسوبة إليه، إذا ارتكبت أثناء قيامه بوظيفته أو بمناسبة قيامه بها». أما بعد عام 1999، فقد صدرت قرارات عن المحاكم «تارة، تعتبر أن القضاء العادي صالح لمحاكمة الوزير في الجرائم المحدّدة في المادة 70 إذا لم يلاحقه مجلس النواب، وتارة أخرى، تعتبر أن ملاحقة الوزير تتمّ حصراً أمام القضاء العادي لكونه صاحب الولاية الشاملة في مختلف الجرائم». وبالتالي، فإن بعض الوزراء حوكموا أمام المحاكم الجزائية، بسبب أفعال مرتبطة بمهماتهم الوزارية، والبعض الآخر أحيل الى مجلس النواب للأفعال نفسها، ما «شكّل مخالفة لمبدأ المساواة الذي يجب أن يسود الملاحقات الجزائية، وطعناً لمبدأ الأمان القانوني».
وفي شأن اقتراح القانون المعروض على اللجنة، لفت طبارة الى أنه يهدف بالدرجة الأولى الى «تسهيل إجراءات التحقيق والاتهام في مجلس النواب، واختصار المهل لإزالة العراقيل من طريق محاكمة الوزير أمام المجلس الأعلى»، بما يحقّق مبدأي المساءلة والمحاسبة، بعد أن أصبح هذا المجلس «حبراً على ورق».
وفي شأن عبارة «الإخلال بواجبات الوظيفة» الواردة في نصّ المادة (70)، يلفت الى وجود تباين في تفسير هذه العبارة، ما أدّى الى وجود نظريتين: «الأولى تقول بأن كل جرم يرتكبه الوزير ما كان ممكناً ارتكابه لو لم يكن الشخص المعني وزيراً، وتطالب بمحاكمته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وتدعو الثانية الى اعتبار ما يرتكبه الوزير جرماً جزائياً، ما يستدعي محاكمته أمام المحاكم العادية»، داعياً الى «معالجة هذه الإشكالية وهذا التباين في التفسير، إحقاقاً لمبدأ المساواة، كي لا تتمّ الملاحقة هنا وتمنع هناك».
وإذ يقترح تعديل بعض مواد قانون أصول المحاكمات التي «تثير التباساً في مضمونها»، بعيداً عن «نسف القانون بالتحسينات الشكلية، لغة وترتيباً لكلمات العبارة»، يشير طبّارة الى أن المادة 18 من القانون هي «العقدة الأساسية التي خلقت كل التباين»، مطالباً بـ«وضعها في نصّ واضح، على غرار ورود مضمونها في المادة 68 من الدستور الفرنسي، حيث تعطى المحكمة العليا صلاحية محاكمة الوزراء عن الأفعال التي يقومون بها أثناء ممارسة وظائفهم، والتي تشكّل جريمة أو جنحة بتاريخ ارتكابها، وذلك لإزالة التباين الحاصل حيال التفسير في المحاكم».
وفي شأن التعديل المقترح، يؤكّد طبّارة ضرورة «حسم الجدل القائم حول اختصاص كل من المجلس الأعلى والمحاكم العادية». وذلك، بالتأكيد على اختصاص المجلس الأعلى «عندما يرتكب الوزير فعلاً يشكّل جرماً جزائياً ذا صلة مباشرة بالمهمات التي يتولاها الوزير، واستبعاد صلاحيته بالنسبة للجرائم الأخرى».
وبالانتقال إلى المادة 22 من «أصول المحاكمات»، التي تنصّ على أن المجلس النيابي «يدعى لجلسة خاصة تنعقد بعد 10 أيام تلي تبليغ الشخص أو الأشخاص المطلوب اتهامهم نسخة عن طلب الاتهام، وبعد أن يستمع إلى مرافعتَي الادعاء الممثل بأحد موقّعي طلب الاتّهام والدفاع، يقرّر المجلس النيابي بالأكثرية المطلقة من أعضائه إحالته فوراً إلى لجنة نيابية خاصة تدعى لجنة التحقيق، قبل التصويت على طلب الاتهام أو ردّه».
يثني طبّارة على التعديل المقترح الذي يعطي مجلس النواب الحق، بعد الاستماع الى مرافعتي الادعاء والدفاع، أن يقرّر «اتهام الوزير فوراً، وإحالته الى المجلس الأعلى، من دون الحاجة إلى تأليف لجنة تحقيق عندما تكون عناصر الاتهام متوفّرة وكافية»، ما يؤمن «الخطوة الأساسية لإزالة العراقيل من أمام مسار الملاحقة والمحاكمة».




... ويعلّق على كلام برّي




علق النائب بهيج طبارة على ما ورد في المؤتمر الصحافي لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، أول من أمس، حول حكومة الرئيس أمين الحافظ عام 1973، فذكّر بأنه كان أحد الوزيرين السنّة في تلك الحكومة مع زكريا نصولي، بعد أن رفض الوزير نزيه البزري الاشتراك فيها، لافتاً إلى أنه استقال هو ونصولي لعدم موافقتهما على مضمون البيان الوزاري، وأبلغا الحافظ ورئيس الجمهورية سليمان فرنجية قرارهما شفهياً، ولم يحضرا الجلسة النيابية التي خصّصت لطرح الثقة بالحكومة (بتاريخ 18 حزيران).
وخلال الجلسة، وبعدما تلا الحافظ البيان الوزاري، أثار النائب ريمون إده مسألة غياب وزيري السنّة، ما أدّى إلى تأجيل الجلسة، وإرجاء مناقشة البيان. وفي هذا الإطار، يختم طبّارة تعليقه بالإشارة الى أن الحافظ «قدّم، على الأثر، استقالة حكومته».