بدعوة من رئيس محاضرات التدرج في نقابة محامي بيروت المحامي ناضر كسبار، حاضر القاضي الدكتور غسان رباح أمس ضمن محاضرات التدرج، في قاعة الاحتفالات في بيت المحامي، بعنوان «الحيلة القانونية بين ماضي التشريع وحاضره».قدم كسبار المحاضر معتبراً أن موضوع الحيلة القانونية «الدقيق والصعب، بحاجة الى رجل قانون وفقيه من عيار القاضي الدكتور غسان رباح ليغوص فيه ويحلل معانيه».
ثم تحدث القاضي رباح الذي عالج موضوع الحيلة من «وجهة نظر تشريعية وفقهية وقضائية وفي الناحيتين النظرية والتطبيقية أيضاً». وعرض الحيلة القانونية «من منطلق تعريفها على انها افتراض أمر مخالف للواقع، يترتب عليه تغيير في حكم القانون دون تغيير نصه». ورأى رباح أن «النص القانوني عند تدوينه لا يتصور أن يستوعب سائر احداث الزمان ووقائعه والفرض انها لا تتناهى مع هذا الامر، والأمر الثاني أنه من العسير تعديل القاعدة القانونية في هذه الفترة، كما أنه من العسير التجمد أمام متغيرات الحياة ووقائعها المتجددة يوماً بعد يوم، فكانت الحيلة القانونية بمعناها المتقدم هي المخرج من هذه الصعوبة، فاستعان بها الفقيه والقاضي عند تفسيره للقاعدة القانونية».
وأوضح «ان الحيلة هي غير التحايل على القانون او الغش فيه عن طريق اساءة استعماله، وهو يسمح بهذه الاساءة، كما في حال تغيير اللبناني لمذهبه تمهيداً للتخلص من حكم القانون الذي يعتبره ضاراً بمصالحه».
ثم تطرق رباح الى «تطور الحيلة القانونية بدءاً من القانون الروماني مروراً بالشريعة الاسلامية وانتهاءً بالقانون الانكليزي». وعرض لبعض الحالات التي استخدمها فقهاء الشريعة الإسلامية عن طريق الحيلة الشرعية، كما في توريث الجنين في بطن أمه، واعتبار المفقود ميتاً. أما عن الحيلة القانونية في الشرائع الحديثة، فرأى «ان هذه الشرائع قد قطعت صلتها بالحيلة، بحسبان انه لا حاجة للأمم الى مثل هذا الاسلوب الفطري لتقرير مبدأ صالح او تعليل نظام سليم. والراجح انه وعلى الرغم من ضعف هذا الدور فإنها لم تعدمه، فما يزال كل من الفقه والقضاء، بل والمشترع نفسه، يستخدم الحيلة بوصفها من وسائل تطور القانون في حالات محددة، كما مع نظرية العقد الاجتماعي في القانون الدستوري وافتراض المفقود بحكم الميت في القانون الخاص».
وختم رباح محاضرته بالقول: «لعل وراء تقييد الحيلة وعدم استخدامها نتائج جد مهمة، أن المشترع أحاط بجميع النظم مما جعل الرجوع الى الحيلة أمراً غير ضروري، بل اكثر من ذلك، أمراً مخالفاً للدين وللمنطق والعقل. ومتى وجد المشترع الواعي والمتابع والمعدل ـــ ربما يومياً ـــ لكثير من النصوص غير الملائمة لتطور الحياة العملية، يصبح اللجوء الى الحيلة أمراً نادر الوجود».