strong> ثائر غندور
... أربع سنوات على احتلال العراق. لا تزال مشاهد «غوانتنامو» و«أبو غريب» راسخة في وجدان المواطن العربي، لذا لم يحتج شباب «الحملة الشبابية لرفض الوصاية الأميريكية» إلى الكثير من الوقت كي يُعدوا «اسكتشاً» مسرحياً يعيد المشاهد إلى الذاكرة. وقد فوجئ شارع الحمراء أمس بـ«السجناء» الذين حلّوا ضيوفاً لساعة من الزمن على مقهى «الويمبي» المقفل، فكان لا بدّ من «عجقة» سير وتدخل من عناصر قوى الأمن الذين أخذتهم مشاهد التعذيب. الثانية ظهراً، وقف حوالى عشرة شبّان ارتدوا لباساً وأقنعة سوداء، وانتظروا «الجنازير» كي تلفّ أياديهم، فيما انتصب إلى جانبهم عدد من «الجنود الأميركيين» يحملون عدّة التعذيب.
أما الجمهور، فاقتصر على عدد من مسؤولي المنظمات الشبابية وبعض الشباب «لأن التحرك رمزي يهدف إلى تذكير روّاد شارع الحمراء بفظاعات الاحتلال الأميركي» بحسب أمين سرّ الحملة هشام طبارة.
اكتمل نصاب وسائل الإعلام. كاميرات التلفزيون جاهزة للتصوير. تنطلق إشارة البداية من أحد مسؤولي المنظمات الشبابية، فيبدأ حمزة (عسكري أميركي) بضرب السجناء، ليسقطوا أرضاً الواحد تلو الآخر. تُداس وجوههم وتُمرّغ في الاسفلت. تقف السيارات في انتظار انتهاء الجولة الأولى من الضرب. يزداد عدد المشاهدين الذين يصورون المشهد بكاميرات هواتفهم النقالة. تصل الحاجة إنعام. تريد أن تتحدث إلى التلفزيون: «هيدا جورج بوش ما بِحب لبنان ولا العراق. أصلاً هو لم يحتل العراق بسبب أسلحة فاسدة أو شاملة... بس علشان بِحب القتل». فإنعام تصف جورج بوش بـ«دراكولا» العصر، وتلمع عيناها فرحاً بالشبّان. وفجأة، ينتفض أحد السجناء من تحت قدم سجّانه، فإذا بالحاجة إنعام تصرخ بالشباب «قرّبوا ساعدوه».
تتزايد كاميرات المصورين. يتكرّر مشهد الاعتداء على السجناء، «لكن ما عم يغتصبوهم» يقول فتى لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره. اعتقد أن المشهد سيصل إلى اللحظة الحاسمة «لشوف كيف بيغتصبوهم». يتدخل عناصر الدرك: «افتحوا الطريق يا شباب». انتهى الفصل الأول من العرض.
مرّت الدفعة الأولى من السيارات وعاد العرض. يظهر اللؤم في عيون السجانين. هل هو تمثيل ناجح أم رغبة حقيقية في الضرب ودوس الرقاب؟ لا جواب! بدورهم، يبتسم السجانون للسؤال، من دون أن يجيبوا. يعلو صوت أحد المنظمين: «ارفعوا اليافطات يا شباب» ترتفع اللافتات وتزداد حماسة الممثلين، فهناك من أحضر كاميرا الفيديو الخاصة به من الجمهور. امتلأ الشارع بالمشاهدين. في هذه اللحظة يستنتج المصورون أن وجودهم يدفع إلى المزيد من الضرب. قرروا الرحيل. «لكن العرض لن ينتهي» يصرخ يوسف والفرحة تفيض من عينيه. لم لا؟ وهو الذي أصبح أبو محمد قبل ساعات، وجاء كي يؤمّن مستقبلاً لولده بعيداً من «الجزمة» الأميركية.
الثالثة بعد الظهر، انتهى المشهد. رحل الجميع وعاد شارع الحمراء كما كان، سوقاً تجارياً. لا أحد يدري كم كان تأثير العرض، لكنّ المنظمين أكّدوا أنّه سيجول في كل لبنان، لينتهي بعرض مسرحي متكامل.