strong>أكّد اللواء أشرف ريفي لـ«الأخبار» في كانون الثاني الماضي أن قوى الأمن الداخلي تتشدد في حماية كل مواطن مهدّد أو مستهدف. وتفرز قوى الأمن عدداً كبيراً من العناصر الأمنية لحماية سياسيين وقضاة وإعلاميين وعائلاتهم. كيف يتم اختيار هؤلاء العناصر؟ وإلى أي حد يؤخذ بكفاءتهم وفعاليتهم؟ وهل هي موجودة أصلاً، لكون أكثرهم من المجندين؟
يخرج زميل إعلامي شهير من أحد المراكز التجارية ويسير خلفه مرافقه «الأمني» بزيّ قوى الأمن الداخلي، لم يكن يحمل سلاحاً، بل أكياساً تحتوي على ما تَسَوَّقه «الأستاذ». بالطبع ليست هذه هي مهمة العناصر الأمنية المكلفة حماية الشخصيات السياسية والقضائية والإعلامية في لبنان، وخاصة من هم مهددون أو مستهدفون، في ظل وضع أمني غير مستقر، وبعد فترة شهدت عدداً كبيراً من عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال والتفجيرات.
ومنذ أسابيع قليلة، ذكر مصدر رفيع في قوى الأمن الداخلي لإحدى الوسائل الإعلامية أن عدد العناصر المكلفة حفظ أمن الشخصيات في لبنان يصل إلى الفي عنصر من المديرية المذكورة وحدهاوعلمت «الأخبار»، من مصادر أمنية رفيعة مختلفة، أن عدد عناصر هذه المديرية وحدها المولجين حماية ومواكبة الشخصيات السياسية والقضائية والإعلامية وحراسة منازلها (من دون عناصر حماية الضباط والحرس الحكومي وشرطة مجلس النواب) يزيد على 1450 عنصراً، أكثر من نصفهم (حوالى 850) من المجندين، الذين يفتقرون للتأهيل والتدريب المطلوبين لمهمة من هذا النوع. وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى إجماع المتابعين للتحقيقات على أن الذين ينفذون عمليات إرهابية يتمتعون «بكفاءة» وقدرات جرمية عالية. بالمقابل، إن أكثر العناصر المكلفة حماية الشخصيات المصنفة ضمن دائرة الاستهداف الجرمي والتهديد، هي من المجندين غير المؤهلين مهنياً لهذه المهمّة الدقيقة.
بالاضافة إلى ذلك، تظهر خريطة توزيع عناصر الحماية والمواكبة بوضوح العامل الطائفي والمناطقي الذي يحكم اختيار هؤلاء العناصر. فجميع أفراد قوى الأمن الداخلي المكلفين حماية منزل الوزير محمد فنيش هم مسلمون (12)، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عناصر حرس ومواكبة الوزير طراد حمادة الذين يغلب عليهم الانتماء لمنطقة البقاع الشمالي، والطائفة الشيعية خصوصاً (15).
وهذه «القاعدة الطائفية» تسري على 45 عنصراً (من الأمن الداخلي) مكلفين حماية منزلَي النائب وليد جنبلاط في كليمنصو والمختارة، بالإضافة إلى 89 عنصراً من المجموعة الأمنية الخاصة التابعة لسرية بيت الدين (الأمن الداخلي). فمن النادر إيجاد عنصر من غير الطائفة الدرزية. وجميع عناصر الأمن الداخلي الـ27 العاملين ضمن المجموعة الأمنية الخاصة في معراب (محيط سكن رئيس الهيئة التنفيذية في حزب «القوات اللبنانية»)، هم من المسيحيين، وأكثرهم من منطقة بشري. فهل يعود العامل الطائفي في اختيار العناصر الأمنية الرسمية إلى ضعف الثقة في العناصر الأمنية التي تنتمي إلى طائفة مختلفة عن طائفة الشخصية المطلوب حراستها؟ أم أن هناك شكوكاً بـ«اختراق» الأطراف والتيارات السياسية الخصمة لهذه العناصر؟
كما أن التوزيع العددي لعناصر الحماية التابعين لقوى الأمن على الشخصيات يثير أسئلة عن المنهجية المعتمدة. فالزميلان الإعلاميان جورج ومارسيل غانم، يحرس منزليهما 15 عنصراً، و8 عناصر يتولون حراسة منزل الزميل علي حمادة، وأربعة للزميل حسن صبرا وأربعة للزميل نهاد الغادري وثلاثة للزميل فارس خشان، في حين أن الزميلة مي شدياق، التي نجت من محاولة اغتيال، لا يحرسها سوى 5 عناصر من قوى الأمن الداخلي.
حماية القضاة
القضاة الذين يتابعون قضايا حسّاسة ويشرفون على تحقيقات قضائية خطيرة يحظون بعدد من العناصر التابعين لقوى الأمن الداخلي يقلّ عمّا يحظى به كثير من السياسيين. فعلى سبيل المثال، يحرس منزل النائب السابق سليم دياب 16 عنصراً من الأمن الداخلي، في حين أن حراسة منزل ومواكبة مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا يقوم بهما 9 عناصر من المؤسسة نفسها، و13 عنصراً للمحقق العدلي بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي الياس عيد.
ولا بد من الإشارة إلى أن أحد الزملاء الإعلاميين الملاحقين أمام القضاء بتهمة القدح والذم لم تتمكن قوى الامن أخيراً من إبلاغه ضرورة حضور جلسة التحقيق معه بناء على طلب القضاء المختصّ، بالرغم من تولي 4 عناصر من قوى الأمن الداخلي حماية منزله.
«الأمن الخاص» و«الأمن الداخلي»
التفاوت بين عدد العناصر الرسميين المكلفين حماية الشخصيات السياسية يطرح تساؤلات عن مدى اعتماد هؤلاء على «الأمن الخاص». فمنزلان للرئيس رفيق الحريري يتولى حراستهما 99 عنصراً من الدرك، بالإضافة إلى 12 عنصراً لمنزل بهاء الدين الحريري في طرابلس و13 لتلفزيون المستقبل (الذي استهدف سابقاً) و 22 لضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، و 4 لحماية مركز جمعية التنمية و4 لمصرف البحر المتوسط. في المقابل، لا يوجد عناصر من الأمن الداخلي لمواكبة أو حماية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وأكثر قيادات الحزب، أو لرئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع (بالرغم من وجود مجموعة أمنية خاصة في معراب)، ولا عناصر لمواكبة النائب وليد جنبلاط أو العماد ميشال عون (بالرغم من وجود 29 عنصراً من الأمن الداخلي «بتصرف» الأخير). وهنا يعود سؤال «الثقة» إلى الواجهة. فالعماد ميشال عون يواكبه عناصر حماية خاصة، أكثرهم من متقاعدي الجيش اللبناني، بالإضافة إلى عدد من عناصر الجيش. وعناصر الحماية الشخصية لجعجع وجنبلاط أكثرهم من عناصر حزبيهما، وعناصر حماية قيادات حزب الله هم من الحزب، وكذلك النائب أسعد حردان (يوجد عنصران من الأمن الداخلي «بتصرفه»). لكن، هل توجد أزمة ثقة بين القيادات اللبنانية وعناصر المؤسسات الأمنية بشكل عام، ما يؤدي إلى اعتماد القيادات على عناصر حزبية؟ وفي حال وجود ثقة بالمؤسسة، ألا تقتصر الثقة على أبناء الطائفة أو المنطقة من أفراد هذه المؤسسة؟
وفي هذا المجال، لا بد من السؤال عن العلاقة بين العناصر الأمنية الرسمية والعناصر الأمنية الخاصة. ولمن الولاء؟ للمؤسسة أم للشخصية التي يتولى هؤلاء العناصر حمايتها؟ ومن الآمر؟ الضابط الرسمي أم مسؤول الأمن الخاص لدى الزعيم والقائد وحتى الإعلامي؟
وبالرغم من النقص الذي تعانيه قطعات عديدة في قوى الأمن الداخلي، كمخافر المناطق الريفية البعيدة، وسجن رومية المركزي حيث يضطر عناصر حرسه إلى الاستعانة بمساجين (الشاويش) لمعاونتهم في إدارة السجن، ما يخلق مشاكل عديدة بين السجناء (طبقية وامتيازات).
بالرغم من ذلك، فإن ما تقوم به المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، من تأمين عناصر حماية لأي مواطن يتعرض للتهديد أو تتوافر معلومات عن إمكان استهدافه، مؤشر على تجاوب هذه المديرية مع كل الشخصيات السياسية والإعلامية التي تطلب حمايتها. وهذا الأمر لا يقتصر على فئة سياسية واحدة رغم تفاوت عدد العناصر بين فئة وأخرى.
لكن السؤال الذي يبقى بحاجة لإجابة هو عن فعالية هذه الحماية وكفاءة عناصرها، ومدى تدريبهم وتجهيزهم للقيام بواجبهم بشكل فعال ومتطور، ما يقلص الحاجة للأمن الخاص. وبالحديث عن التدريب، تبرز إلى الواجهة جريمة اغتيال الوزير الشهيد بيار الجميل، لا لتحميل المسؤولية لعنصر (تابع لأمن الدولة) لم يطلق النار، بل للسؤال عن نظام تدريب عناصر الحماية بحيث يتمكنون من أداء مهامهم بفعالية.
(الأخبار)