strong>بعد زيارات عديدة قام بها مراسلو «الأخبار» في الشمال والجنوب والبقاع وجبل لبنان وبيروت لقصور العدل، نستخلص أن الدولة لا تقوم بأي جهد حقيقي لتحسين أوضاع قاعات المحاكم التي تعاني من الإهمال ونقص في التجهيز والأثاث. قصور العدل تفتقر إلى أبسط المتطلّبات: قاعات محاكمة نظيفة ولا تنشّ من جدرانها المياه. هل يتنبّه لذلك وزير العدل؟

نشرت «الأخبار» خلال الأسابيع الأولى لانطلاق صفحة «العدل» سلسلة تحقيقات عن أوضاع قصور العدل في مختلف المحافظات. وتميّزت تلك التقارير «بدقّتها وبموضوعيتها» بحسب وزير العدل شارل رزق. لكن الوزير لم يقم بأي مسعى جدّي لتحسين مكان وظروف عمل القضاة وسير المحاكمات، بل يردّ على «الأخبار» أحد المقرّبين منه بالقول: «هل تعطُّل السيفون في قصر عدل النبطية من مسؤوليات وزير العدل!؟»...
مراسلو «الأخبار» تابعوا مراقبة أوضاع قصور العدل في محافظات البقاع والشمال وجبل لبنان والجنوب وبيروت، ولاحظوا أن لا شيء تغيّر، فقصور العدل ما زالت تشهد على إهمال الدولة لقطاع أساسي، والقضاة والمواطنون ما زالوا يعانون من حال قاعات المحكمة التي تنزّ من جدرانها المياه (المبتذلة أحياناً) وتفتقر إلى الأثاث والتجهيز.
قصر العدل في النبطية وسط النفايات
في 20 أيلول 2006 نشر تحقيق في «الأخبار» عن قصر العدل في النبطية الذي تحوطه أكوام النفايات. مرت ستة أشهر، ولم يصر إلى قرار يزيلها أو يحد من تفاقمها؛ وتظل بعض قاعات المبنى على حالها معرضة للتصدع، إذ إن أحد المجاري الصحية يصب في موقف السيارات وتنز المياه الآسنة من جدران قاعتي المحاكمة. فضلاً عن المراحيض التي تبقى مفتوحة على الروائح الكريهة الدائمة الانبعاث، واستمرار النواقص والعيوب في المبنى الخارجي والداخلي وفي توصيف الحال المزرية للغرف والممرات والمراحيض. ويؤكد المحامي سمير فياض، «أن أي أجراء لم يتخذ، لا قبل تسليط الضوء الإعلامي عليه، أو بعده، بل إن الأمور تزداد سوءاً وتفاقماً، ما يؤكد إصرارنا على أن هذا المبنى لا يجوز أن يكون قصراً للعدل».
قصر العدل في جونية برك في الممرات
في 22 ايلول 2006، نشر تحقيق في «الأخبار» عن قصر العدل في جونية تحت عنوان: «قصر عدل جونية: اكتفاء ذاتي». وبين هذا التاريخ واليوم، الوضع «راوح مكانك»، فالمحكمة بقيت كما تركناها: العمل فيها شأنه شأن بقية المحاكم اللبنانيّة ما زال يدوياً، يعتمد على العنصر البشري في غياب المكننة وأجهزة الكومبيوتر، التقصير استمرّ من الدولة في عدم توفير التجهيزات اللازمة وعدم اعتماد نظام أرشيف متطوّر. وبينما كانت المطالبة بتوسيع المحكمة وتعديل الهيكليّة وزيادة عدد القضاة، ردّت التشكيلات القضائية بخفض عدد القضاة من 7 إلى 5. آلة التصوير في غرفة الطباعة قرب غرف القضاة ما زالت تعمل «بالتقطيش»، والقضاة يضطرّون إلى التصوير في مكتبة قرب المحكمة على نفقتهم الخاصّة، والفاكس لم يجد له مكاناً بعد عند القضاة. ما زالت المياه في فصل الشتاء تتسرّب إلى الممرّ الذي يتوسّط غرف القضاة فيتحوّل إلى برك. ولم يتأمّن بعد مولّد كهربائي خاصّ في قصر العدل. إلا أنّ الوضع أفضل بفضل المبادرات الفرديّة. وما زال بعض المحامين يرى قصر عدل جونية نموذجياً وكالضيعة حيث يعرف الجميع بعضهم بعضاً. ولا شكّ أنّ قصر العدل في جونية أفضل حالاً من غيره بأشواط.
قصر العدل في زغرتا بقاضٍ وحيد
في 3 تشرين الأول 2006 نشر تحقيق في «الأخبار» عن قصر العدل في زغرتا، ولم يتغيّر شيء منذ ذلك الحين. ففي زغرتا نعود لنذكّر بأن لا قصر للعدل في المدينة، بل جناح يضمّ قاعة المحكمة في الطبقة الأرضية من سرايا زغرتا ــــــ إهدن، ولا تزال القاعة تعاني من نقص في تجهيزات التدفئة والتبريد، وغياب تام لتقنيات الصوت. وللمحكمة في زغرتا وهو قضاء يضمّ 52 بلدة وقرية، قاض واحد هو الرئيس جوزيف أبو سليمان الذي يتابع منفرداً كل الدعاوى الجزائية والمدنية، وإذا ما اضطر إلى غياب ما، فإن الشلل يصيب المحكمة. وفي معلومات لـ«الأخبار» أنه تمّ لحظ تعيين قاضٍ آخر لزغرتا أخيراً، غير أن عدم البت بالتشكيلات القضائية بفعل الأزمة السياسية في البلاد حال دون ذلك. وكأن هذا القضاء محكوم بالانتظار، فإلى عقدة تعيين قاضٍ ثانٍ للفصل بين ما هو مدني وما هو جزائي، هناك مطلب أساسي برفع عدد الموظفين، لأن سجل الوارد التي تؤسس عليه الدعاوى حافل، ما يعوق البت بالدعاوى التي تضاعف عددها وفق المحامين من أيلول إلى اليوم، بحيث وصل عدد الجزائية إلى ثلاثة آلاف والمدنية إلى ألفين، فيما تخطت دعاوى الاستئناف الألفي دعوى.
قصر العدل في بعلبك بدون ترخيص قانوني
في 12 أيلول 2006 نشر تحقيق في «الأخبار» عن قصر العدل في بعلبك، ومنذ ذلك الحين تعافى قصر عدل بعلبك بعدما ألمت به أضرار كبيرة جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز الماضي. لكن اللوحة التي أثقلها غبار القصف والتي كتب عليها «العدل أساس الملك» هي اليوم مرهقة بفعل الإهمال المستمر. أنجزت عملية الترميم بعد أن سارت بوتيرة بطيئة، وذلك ما بين شهري أيلول وكانون الأول 2006 لناحية ترميم المبنى وتأهيل المكاتب والمحاكم وكافة التجهيزات اللازمة والتدفئة والإنارة، مع العلم أنه وفي فترة الترميم عمد القضاة إلى عقد جلساتهم في مكاتب الموظفين، وهي بدون شبابيك، وتحدّوا بذلك عوامل الطبيعة وأجروا جلساتهم على أنقاض القصر المدمر. عاد قصر عدل بعلبك إلى عمله المعتاد بعد أن أنجزت أعمال الترميم مطلع العام الجاري، بعد أن تكفلت الهيئة العليا للإغاثة بترميم القصر. وجاء الترميم متأخراً، غير أن تراكمات الإهمال لم تمح، ويمكن القول إن الإهمال أعاد إنتاج ذاته. وفي هذا الصدد يقول المحامي أنطوان الوف: «مبنى قصر عدل بعلبك لا يستوفي الشروط القانونية لكونه منشأ على أماكن أثرية، وليس لديه ترخيص قانوني»، مشيراً إلى «أن وقوع المبنى في منطقة سكنية مأهولة يعوق تحرك موظفي القصر والمحامين والمواطنين». ويرى رزق أن «البناء ليس نموذجياً لقصر عدل، فهي بناية عدل وليس قصراً يليق بهيبة العدل». ويقول المحامي رزق: «إن بعلبك هي في طور التحول إلى مركز للمحافظة التي تنتظر المراسيم التنفيذية، وذلك يتطلب استحداث تعديلات لملاك العدلية، نظراً لوجود كمية عمل كبيرة موكلة لقاضٍ واحد ما يؤخر العمل». يجمع الكثيرون من المحامين مع رزق على ضرورة إقامة محكمة جنايات في بعلبك قبل إقرار المحافظة باعتبار أن قضايا بعلبك الهرمل تنظر فيها محكمة الجنايات في زحلة، ما يحتم أن يكون المحامي من زحلة لا من بعلبك.
(الأخبار)