strong>نادر فوز
يمكن من حضر ندوة «دور وسائل الإعلام في بناء ثقافة السلام»، التي نظمتها مؤسستا «مهارات» و«فريدريش إيبرت» الألمانية، في فندق ميريديان كومودور، أن يلحظ الهوة الشاسعة بين المحاضرات العلمية والأكاديمية التي قدمها كل من الدكتورين جيروم شاهين وسليمان تقي الدين، والمحاضرتين التعبويتين اللتين «بشّر» بهما الدكتوران جوزيف فاضل وشارل شرتوني.
افتتحت الندوة الزميلة رلى مخايل التي ألقت كلمة مؤسسة «مهارات»، معتبرةً أنّ طرح ثقافة السلام ليس من قبيل الايديولوجيا السائدة ولا من قبيل الدعاية السياسية، «بل من مبدأ ضرورة التعاطي بمسؤولية اكبر مع الأحداث التي قاربت في أحيان كثيرة حد الانفجار». وأشارت مخايل إلى الانقسام السياسي الحاد ما بين الموالاة والمعارضة حوّل الهدف الأسمى للإعلامي المتمثّل بالحقيقة إلى «وجهة نظر غير قابلة للنقاش أو الانتقاد أو الأخذ والعطاء».
أما كلمة «فريدريش إيبرت» فألقاها سمير فرح وأشار فيها إلى أنّ حلّ النزاعات وتعميم ثقافة السلام يكونان في البدء عبر «القضاء على كل أشكال التمييز»، والتي يقع على عاتق الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات التربوية والاجتماعية ترسيخها وتعزيزيها. ولفت فرح إلى أنّ ثقافة السلام هي مجموعة من القيم والمبادئ والتقاليد والسلوكيات التي تتمحور حول «احترام الحياة ووضع حد للممارسات العنفية عن طريق التربية والحوار». وفي ما يخص وسائل الإعلام، رأى فرح أنّ على المؤسسات الإعلامية القيام بدورها في «الإعلام» وإعطاء المعلومات «من دون أن تتدخل فيها لتحورّها لمصلحة أي طرف». وزير الإعلام غازي العريضي، تحدث مطوّلاً عن موضوع «ثقافة السلام» متطرقاً إلى مواضيع عديدة ومشيراً إلى ضرورة نبذ ثقافة التخوين للوصول إلى ثقافة السلام والسلام الذاتي. وتناول العريضي في كلمته دور وسائل الإعلام وأهمية الصورة في نقل المعلومات والحقيقة، مشيراً إلى «عدم تدخله بصفته وزيراً في أي مؤسسة إعلامية إلا من باب الحرص على الصدقية الإعلامية». الجلسة الأولى في الندوة حملت عنوان «ثقافة السلام في ضوء الواقعين المحلي والإقليمي»، وأدارها الإعلامي وليد عبود وتحدث فيها كل من الدكاترة جيروم شاهين، جوزيف فاضل، شارل شرتوني وسليمان تقي الدين.
تحدث شاهين عن شرعة حقوق الإنسان وإعلانها بعد الحرب العالمية الثانية «بعدما أصبح للسلام أهمية كبرى فور انتهاء الحربين العالميتين». وأشار شاهين إلى أنّ الأدبيات الغربية تؤرخ لسياسة السلام منذ سقوط حلف وارسو أي الاتحاد السوفياتي. وتحدث شاهين عن مماطلة الأمم المتحدة في العمل على مسألة «السلام»، حتى عام 2000 الذي أعلنته «عاماً للسلام»، وإعلانها الحقبة الممتدة من «2001 إلى 210 عقداً كاملاً لتعميم ثقافة السلام وعدم العنف مع أطفال العالم».
أشار شاهين إلى دورين أساسيين للإعلام في تكوين ماهية السلام؛ الأول يتمثل في اعتبار تحوّل الإعلام في عصر العولمة إلى السلطة الثانية وقبل السلطة السياسية، «علماً بأنّ السلطة الاقتصادية تتحكّم إلى حدٍّ كبير بالإعلام، وأنّ الإعلام بات يصنع إلى حدٍّ كبير السياسة». أما الأمر الثاني، فهو أن الإعلام أدّى، «خاصة في فورة وسائله الفضائية والإلكترونية»، دوراً أساسياً في بثّ القيم وأنماط التفكير والسلوك والعادات، «أي في بناء ثقافة جديدة قد تتعارض كلّياً أو جزئياً مع هذه الثقافة المحلية والقومية أو تلك».
«حلّق» كل من الدكتورين جوزيف فاضل وشارل شرتوني بعيداً خارج الموضوع، إذ تحوّلت محاضرتاهما إلى حديث سياسي، كان عنوانه الأبرز السلام مع إسرائيل والتخلي عن المقاومة وتقديس المشروع الأميركي «الديموقراطي» الذي حرّر لبنان من الوصاية السورية، معتبرين أنّ الدعم الخارجي «الديموقراطي» ضرورة للتخلص من الأنظمة والوصايات، «فعلى الأقل هو تدخل يأتي من دول غربية ديموقراطية على حساب همجية الأنظمة العربية الشمولية»، وأشار الشرتوني إلى أهمية القرارات الدولية التي أصدرها مجلس الأمن للحفاظ على سلامة لبنان ووحدته.
أما فاضل فكانت له نظرية خاصة حول «ثقافة السلام» تتمثل بالعناصر الثلاثة: العدوانية، القوة العسكرية والمناسبة؛ إذ رأى أنّ فقدان أحد عناصر هذه المعادلة يمكن أن يمهّد لاستراتيجية قيام السلام. من جهة أخرى، لفت الدكتور تقي الدين إلى أنّ انهيار الأفكار القومية العربية أدى إلى «مرحلة صعود الأصوليات الدينية التي تؤسس لحالات صدامية عنيفة». وأشار تقي الدين إلى أنّ «أخطر ما يطعن ثقافة السلام هو الاعتداء الأميركي الدائم على الأمم المتحدة»، التي أنشئت للحفاظ على الأمن والسلم. وفي الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور عماد بشير، تحدث سامي نادر وجان كرم عن المشاكل البنيوية في المجتمع وفي وسائل الإعلام.
تستكمل الندوة غداً بجلستين عن موضوعي «كيفية تعاطي الإعلام مع حرب تموز» و«كيفية تعاطي الإعلام مع الأزمة الحالية التي تلت حرب تموز».