نقولا ناصيف
تدرج دمشق عمل لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في سياق ضغوط، تتوقع تعرّضها لمزيد منها في المرحلة المقبلة، وقد يكون أحدها التقرير المقبل لرئيس لجنة التحقيق سيرج برامرتس. وتجد أن غاية هذه الضغوط حملها على ما يتجاوز دور لجنة التحقيق إلى الحصول على تنازلات سياسية مهمة من نظام الرئيس بشار الأسد على جبهة النزاعات الإقليمية، وأبرزها العراق ولبنان والعلاقة مع إيران. ويعتقد مسؤول سوري بارز أن ردّ فعل دمشق على اتهامها بأنها عقبة في طريق التحقيق الدولي، قد عبّر عنه الأسد على نحو قاطع. وهو أن سوريا ليست ضد المحكمة الدولية، ولا ضد التحقيق الدولي في اغتيال الحريري، لكنها غير معنية بالأمر، وفي الوقت نفسه متعاونة حيث يقتضي.
بذلك تتسلّح دمشق بموقف إيراني داعم لوجهة نظرها حيال هذا الأمر في ضوء التنسيق المتبادل بين البلدين. واستناداً إلى ما كانت دمشق قد تبلّغته من الدبلوماسية الإيرانية، فإن طهران تؤيد الموقف الذي يقرره حليفها القوي في لبنان، وهو حزب الله، أياً يكن هذا الموقف. وتعرف في الوقت نفسه مقدار تطابق الرأي بين دمشق وحزب الله ومخاوفهما المشتركة من مشروع المحكمة الدولية. ويشير المسؤول السوري البارز إلى أن مقاربة بلاده للمحكمة الدولية سياسية أكثر منها جزائية، وتتصل بالخلاف الناشب بينها وبين واشنطن وباريس. فيما يواجهها حزب الله، من خلال الملاحظات التي يطالب بإدخالها في مشروع المحكمة الدولية، على أساس أن هذه خطر مزدوج على كيانه ودوره السياسي في آن واحد.
ومصدر القلق الذي يتحدّث عنه المسؤول السوري البارز يكمن كذلك في إحدى خلاصات التقرير الأخير لبرامرتس بتحدّثه عن رابط بين اغتيال الحريري وأسباب سياسية من شأنها أن تشكّل دوافع للقتل، فعبّر بذلك، على نحو مباشر، عن تردّي العلاقة بين دمشق والحريري في الأشهر القليلة التي سبقت اغتياله. كذلك الأمر بالنسبة إلى محاولات الاغتيال والاغتيالات التي سبقت أو تلت، وانطوت بدورها على أكثر أسباب متشابهة دوافع أو أسلوباً أو أهدافاً سياسية.
في حصيلة تقويم المسؤول السوري لتقرير برامرتس، وإن أبرز الأخير تعاوناً سورياً مع لجنة التحقيق الدولية، أن دمشق تنظر بقلق ــــــ وأكثر من أي وقت مضى ــــــ إلى المسار الذي يشقه التحقيق الدولي. وتبعاً لوجهة نظره، فإن سوريا لم تتقدّم مرة بمسودة خطية ضمّنتها ملاحظاتها على مشروع المحكمة الدولية. وفي المرتين اللتين تطرّق إليها في محادثات رسمية أجراها مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في 6 كانون الأول 2006 في دمشق، ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 12 كانون الأول 2006 في موسكو، أجاب الأسد عن استفسار محدّثيه حول موقفه من المحكمة الدولية، فتطرّق إلى جوانب قال إنه تبلغها من حلفائه اللبنانيين، وأخصّهم حزب الله. إلا أنه أعرب أمامهما عن تخوّفه من تسييس المحكمة الدولية في شكل يستهدف حلفاءه اللبنانيين، من غير أن تكون سوريا معنية بالمحكمة الدولية لكونها تعتبر نفسها خارج الموضوع.
ولا يُسقط ذلك في واقع الأمر اهتمام الخارجية السورية وفريق العمل القانوني المولج ملف المحكمة الدولية بإجراء مراجعة للبنود التي تشكل مصدراً لما تعتبره دمشق تسييساً.
ويورد المسؤول السوري البارز مقاربة حكومته لعمل لجنة التحقيق الدولية وفق المعطيات الآتية:
1 ــــــ بالتزامن مع عمل لجنة التحقيق الدولية، فإن لجنة التحقيق السورية لا تزال مستعدة للتعاون. ويرأسها اليوم وزير سابق للعدل في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد هو القاضي محمد نبيل الخطيب الذي خلف قبل سنة رئيستها الأولى المحامية العامة في سوريا.
2ــــــ يتردد فريق لجنة التحقيق الدولية على سوريا باستمرار. وفي الزيارة الأخيرة لرئيسها في 22 شباط الفائت، مكث برامرتس في دمشق أربعة أيام، بينما واصل فريق عمله جمع المعلومات طوال 15 يوماً.
3 ـــــ تقوم لجنة التحقيق السورية بتحقيقاتها في ضوء ما تطلبه منها نظيرتها الدولية، لكنها في الوقت نفسه تبدو فاقدة المبادرة نظراً إلى وجودها خارج مسرح الجريمة، وهو ما أبلغه الرئيس السوري برامرتس، أي إن المساعدة التي في وسع سوريا تقديمها للجنة تبقى محدودة وأقل فاعلية نظراً إلى عدم وجودها على مسرح الجريمة والمساهمة في التحقيق وجمع المعلومات بعد مغادرة الجيش السوري الأراضي اللبنانية في نيسان 2005.
4 ـــــ لم تتردد دمشق في تزويد لجنة التحقيق الدولية المعلومات التي طلبتها حتى الآن في التحقيقات المتصلة باغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية. وهو ما تبيّن عندما حققت اللجنة الدولية في فيينا العام الماضي مع ضباط سوريين كبار كانوا قد شغلوا مهمات عسكرية وأمنية في لبنان إبان وجود الجيش السوري على أراضيه، حين طلبت اللجنة الدولية الاستماع إلى إفاداتهم، وقد استجوبتهم وطرحت عليهم أسئلة استقت عناصرها من محاضر التحقيق الذي أجرته لجنة التحقيق السورية معهم وسلمت إلى لجنة التحقيق الدولية نسخاً عنها.
5 ــــــ يبدو قاطعاً بالنسبة إلى القيادة السورية أنها ليست في وارد تسليم أي مسؤول أو ضابط سوري أياً تكن رتبته وموقعه، إذا ثبت ضلوعه في اغتيال الحريري، إلى المحكمة الدولية. وهي ستحاكمه على أراضيها وفق القانون السوري. وسيسري عليه القياس نفسه الذي تعامل به القيادة السورية التيارات الأصولية المتشددة التي هي في نزاع سياسي وعقائدي دموي معها منذ أعوام طويلة، وذلك وفق قاعدة أن سوريا مع هؤلاء لا تحتفظ بأسرى. والمقصود بذلك أن المتهم المثبتة إدانته سيلقى عقاب الإعدام.