عرفات حجازي
خرج لبنان من القمة كما دخلها، بوفدين واتجاهين ومنطقين، لكن من دون فضائح مدوية، وبأقل ما يمكن من خسائر، مع قدر من الالتباس في ما إذا كان القادة العرب قد قرروا في جلستهم المغلقة أو في مداولاتهم الجانبية استئناف العمل على خط التسوية من خلال إحياء مبادرة عمرو موسى أو ترك اللبنانيين يتدبرون أمورهم من خلال الحوار بمواكبة عربية بهدف الوصول إلى تسوية سياسية يقبل بها الجميع.
وإذا كانت التقديرات متضاربة بشأن طبيعة التحرك العربي وتوقيته، فإن الأوساط السياسية ما زالت عند اعتقادها بأن المرحلة المقبلة ستراوح في خانة الترقب، إلى أن يتم ملء الفراغ المتوقع بعد القمة منعاً لتفاقم الأزمة، وهي على اقتناع بأن عودة السفير السعودي عبد العزيز خوجة ستبلور اتجاه التطورات ومآلها، خصوصاً في ما يتعلق باستئناف حوارات عين التينة، أو باحتمال عودة الأمين العام للجامعة العربية للمساعدة في دفع الحوار إلى نهاياته المرجوة.
وفي معلومات لـ «الأخبار» أن لا موعد محدداً لزيارة موسى خلافاً لما أشيع. صحيح أن الوسيط العربي تَشَجَّع بعودة الحرارة إلى العلاقات العربية ـ العربية، وتحديداً السعودية ـ السورية، إلا أنه لا يزال ينتظر جولات أخرى من المحادثات والتواصل بين الرياض ودمشق علّها تفتح الباب المقفل أمام الحلول. ويعتقد موسى بأن لقاءات التنسيق في الرياض على هامش القمة العربية بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد أضافت معطىً جديداً في مسار الوضع، ويمكن أن تؤسس لإعادة تصويب العلاقة اللبنانية ــ السورية وضخ المزيد من الأمل بإمكان احتواء الأزمة وضبط إيقاعها بالحد الممكن من التوتر بانتظار تبلور رؤية سعودية ــ سورية لمقاربة الأزمة اللبنانية ووضع آلية لحلها بما يحفظ التوازنات والمعادلات الدقيقة.
وتقول مصادر لبنانية واكبت كواليس قمة الرياض إن بوادر التنسيق السعودي ــ السوري ظهرت أثناء الخلافات بين الوفدين اللبنانيين إلى القمة على خلفية البند اللبناني في قرارات القمة حيث تمكن الجانبان من استيعاب الموقف من خلال تشجيع الطرفين على طي صفحة الخلاف والتجاوب مع بعض التعديلات التي طرحها لحود، وجاءت صياغة البند اللبناني لتراعي بطريقة وسطية موقف الجانبين.
وفي انتظار أن تتضح معالم التنسيق السعودي ــ السوري، يتوقع في المدى المنظور استئناف حلقات التشاور التي بدأت بين الرئيس نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري بتشجيع ودعم من المملكة العربية السعودية ومن الأمين العام للأمم المتحدة الذي كان قاطعاً في تبنيه لهذا الحوار انطلاقاً من أنه السبيل الوحيد لاتفاق اللبنانيين وتفاهمهم على القضايا الخلافية، ما يفتح الفرص أمام التوصل إلى حلول والدخول في مرحلة توافقية تساعد على إنجاز كل البنود التي تشكل أجندة الحل بدءاً من قيام حكومة وحدة وطنية، وصولاً إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإقرار قانون جديد للانتخابات.
وتؤكد أوساط وزارية ونيابية في فريقي الموالاة والمعارضة أن استئناف الحوار ممر إلزامي لإنضاج التسوية، لكن الخلاف على آلية هذا الحوار ومداه وبرنامجه، إذ إن أركاناً بارزين في الموالاة لم يكونوا مرتاحين لصيغة الحوار الثنائي ولا لجدول أعماله. اذ انهم يطرحون جدول أعمال مختلفاً يثقل الحوار بمسائل لم يحن أوان طرحها كسلاح المقاومة وموضوع الرئاسة واعتماد بيان وزاري جديد في أي تغيير حكومي، والاتفاق على تنفيذ البنود التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني وتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان. وبالرغم من سياسة الاعتراض التي يبديها صقور 14 آذار على حوار عين التينة، فإن السعودية مصرة ومصممة على استكمالها من النقطة التي توصلت إليها من خلال الآلية التي عرضها بري في مؤتمره الصحافي الأخير.
ويسود الاعتقاد لدى الجميع بأن أبواباً جديدة لحل الأزمة فتحت عبر التنسيق السعودي ــ السوري، وهما ما راهن عليه بري قبل إطلاقه للحوار في آذار الماضي.