strong>عساف أبو رحال
غياب الخطب والمسيرات ورشق الحجارة أثّر على الحركة الاقتصادية

في يوم مشمس من أيام «كانون الأجرد»، جلس «أبو حسين» الأربعيني على أريكة خشبية قديمة، وحيداً داخل قهوته المحاذية للخط الأزرق عند بوابة فاطمة، متأملاً في ما آلت اليه الأمور فهو لم يعتد منذ التحرير وضعاً مماثلاً. واستراحته المتواضعة لم تعرف الهدوء والسكينة يوماً، بل كانت تعج بزوار المحلة على مدار الساعة، إذ كانت محطة رئيسية واستراحة لأغلبية الذين يؤمون المحلة منذ التحرير، لتغدو محجة وطنية استقطبت أعداداً كبيرة من كل الأنحاء.
إنها بوابة فاطمة، الواقعة عند نهاية ميدان التحرير المتفرع من الطريق الرئيسية لبلدة كفر كلا. فبعد التحرير، برزت في الجنوب اللبناني محطتان رئيسيتان: الأولى جبهة مزارع شبعا التي شكلت ميداناً عسكرياً وحيداً مفتوحاً على كل الاحتمالات، والمحطة الثانية بوابة فاطمة وميدان التحرير الذي شهد ترجمة للعديد من المواقف والمسيرات والتظاهرات التي كانت تنتهي عادة برشق الحجارة على دوريات الاحتلال وعلى نقطة المراقبة الموجودة خلف الشريط.
بوابة فاطمة، الاسم الأول، وربما الأهم في مذكرة الزائرين والحاجين جنوباً طوال السنوات الست الماضية، ووجهة من يبتغي «رجم» جنود الاحتلال القابعين داخل موقعهم خلف البوابة بالحجارة أو بما تيسر من بقايا عرانيس الذرة والعلب والزجاجات الفارغة. وتكمن أهمية البوابة في أنها أصبحت بمثابة محجة وطنية عند أبناء المنطقة والذين سمعوا بها اضافة الى موقعها المهم والأقرب الى جنود الاحتلال حيث يسهل رشقهم بالحجارة والكلام على أنواعه من مسافة قد لا تتجاوز المتر الواحد.
وكانت حركة زائري البوابة تكاد لا تنقطع طوال النهار وتتواصل حتى ساعات المساء، والأهم من هذا أن الميدان المؤدي اليها كان مسرحاً للمسيرات الشعبية والتظاهرات المنددة بالاحتلال التي تنتهي أمام البوابة بإلقاء الخطابات والكلمات الداعية الى مواصلة المقاومة لتحرير ما بقي من أراض محتلة.
بين الأمس واليوم يكاد يسمع رنين الإبرة، البوابة تعيش غربة موحشة، بعد انقطاع حركة الزوار اليها أو تضاؤلها بشكل لافت مع غياب فعل المنع. فالمحلة مشرعة منافذها، وصدرها مفتوح رحب، مستعد لاستقبال الأهل والأحباب وحبات ترابها اشتاقت إلى رنين الخطب السياسية وهتافات المتظاهرين الحماسية التي كانت أصداؤها غالباً ما تزعج آذان الاحتلال. كما اشتاقت الى الأناشيد الوطنية الحماسية التي كانت تذاع عبر مكبرات الصوت على مدار الساعة. فقط بضعة أسراب من الطيور وعصافير الدوريّ، تتنقّل بين طرفي الحدود بحرية مطلقة، ويقول أبو حسين: «إن حركة الزوار بعد حرب تموز أخذت بالتراجع حتى غابت اليوم بشكل لافت، وهذا أثّر سلباً على أصحاب المحال التجارية وخصوصاً الاستراحات». ويعزو ذلك الى الأوضاع السائدة على الحدود بعد الحرب الأخيرة والأحوال الجوية الباردة التي تشهدها المنطقة.
وفي الجانب الآخر من الحدود، الهدوء سيد الموقف لغياب التنقلات العسكرية التي ترافقت أيضاً مع انعدام حركة المزارعين من المستوطنين.