عرفات حجازي
من المفترض أن يطل الأسبوع الجاري على تصعيد في وتيرة الحركة الاحتجاجية لقوى المعارضة حيث تتواصل اجتماعات أقطابها لوضع سيناريوهات هذا التحرك بحيث لا يبقى الاعتصام مقصوراً على الوسط التجاري للعاصمة، مع الحرص على أن تبقى التحركات المقبلة تحت سقف القانون والدستور وفي الإطار السلمي. وبالتزامن، دخل الاتحاد العمالي العام على خط الأزمة من باب الاعتراض على البرنامج الإصلاحي الذي ستقدمه الحكومة الى مؤتمر باريس 3، فقرر الاعتصام غداً أمام مركز تحصيل الضرائب التابع لوزارة المال مع احتمال توسعه باتجاه إقامة اعتصامات مماثلة في المؤسسات والإدارات والقطاعات المشمولة بالخصخصة من دون إسقاط احتمال القيام بإضرابات تشمل مرافق حيوية أخرى.
على أن فريق السلطة لم يفاجأ بتحرك الاتحاد العمالي الذي يعتبره القوة الضاربة في يد المعارضة، لكنه أبدى خشيته من أن ينجح في تصويب اتجاهات المعركة وخوضها تحت شعارات مطلبية معيشية، الأمر الذي يخفف من حدة الاحتقان المذهبي وينعطف بالأزمة باتجاهات تجذب شرائح واسعة من المجتمع اللبناني رفضاً لدولة جباية الضرائب ولبرامج اقتصادية تزيد في إفقار الناس ومن ديون لبنان وارتهانه لصندوق النقد الدولي وبيع مرافقه العامة المنتجة. ومع ذلك فإن قوى الأكثرية، بالرغم من بوادر التصعيد الذي ستلجأ اليه المعارضة، ترى أن المرحلة المقبلة محكومة بقيود لا يمكن تجاوزها وأن التصعيد المنفلت من الضوابط سيعني التقدم نحو الفتنة والمواجهة، وهذا خط أحمر عدا عن أن لا مصلحة لأي طرف فيه، وبالتالي ما زال رهانه قائماً على المبادرة العربية التي حصلت على جرعات دعم قوية عربية وإقليمية ودولية بعد دورة الاتصالات والمشاورات التي جرت أخيراً بين العواصم المؤثرة، التي أوحت بقرب بداية فكفكة عناصر الأزمة وإزالة الألغام من طريق الحل السياسي. وعلى نقيض قراءة فريق السلطة لمسار المواجهة واتجاهاتها، ترى المعارضة أن الأكثرية أحرقت وراءها كل الجسور وأسقطت جميع المبادرات المحلية والعربية وقطعت الطريق على أية حلول سياسية للأزمة وتراجعت عن تفاهمات سابقة كان بالإمكان أن تؤسس لتسوية وطنية وأنها تنطلق في حساباتها من رهانات خاطئة وأن كل الدعم الدولي الذي يقدم لها لا يمكن أن ينتشلها من المأزق الذي وقعت فيه. وانطلاقاً من كل هذه الوقائع، فإن المعارضة التي اكتفت في الماضي بالاعتصام، وأعطت كل الفرص للأكثرية للتراجع عن مواقفها هي الآن في صدد الإعداد لخطوات تصعيدية موجعة، ولن تكون هناك عودة الى الوراء وإن فريق السلطة سيكون المسؤول عن إدخال البلد في أزمات وطنية ودستورية وسياسية واقتصادية كفيلة بانهياره تماماً. وتتابع أوساط المعارضة تعدادها للمخالفات التي ترتكبها الحكومة أو ما بقي منها، فتقول إنه في تاريخ لبنان الاستقلالي لم يشهد حكومة كهذه داست على الدستور والقوانين، وتجاوزت صلاحيات المؤسسات الأخرى، وإن ستة وزراء من أعضائها استقالوا، بينهم خمسة يمثلون الطائفة الشيعية وهي إحدى الطوائف التي تعدّ من مكونات البلد الأساسية، فلم تلجأ إلى قبول استقالتهم وتعيين البديل منهم، بل استمرت في عقد جلساتها وكأن شيئاً لم يكن من دون أن تعير أي اهتمام للتظاهرات الحاشدة وللاعتصام القائم منذ أسابيع وسط العاصمة، بل نراها تمعن في خرق الدستور وتتخذ ما تراه مناسباً من قرارات كبرى لبيع المصالح والمؤسسات الرسمية تحت عنوان الخصخصة كما ورد في الورقة الإصلاحية من دون أن ترى حاجة الى إشراك أحد من شركاء الوطن، كما فعلت في إقرار مشروع المحكمة الدولية متجاوزة المجلس النيابي، وهي الآن بصدد شطب رئيس المجلس والقفز فوق صلاحياته بالمطالبة بعقد جلسة نيابية بغياب الرئيس نبيه بري، إذ اعترف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بوجود مثل هذا التوجه ورأى بأنه موضوع سابق لأوانه. وقد سبق للرئيس بري أن حذّر من مغبة الإقدام على مثل هذه الخطوة الخطرة جداً لأنها ستكون بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على الطائف وتهاوي أركانه.
ويرد فريق السلطة على توجهات المعارضة ومحاولة قفزها فوق الواقع المقفل بأن سياسة الهروب الى الأمام لا تجدي نفعاً وأن الحكومة مستمرة في أداء عملها، وهي منصرفة الى ممارسة مهماتها واتخاذ القرارات التي تمليها المصلحة الوطنية، وأن الكرة في ملعب المعارضة و“يدنا ستظل ممدودة للتفاهم والحوار لأنه السبيل الوحيد للخروج من المعاناة”، محمّلة المعارضة مسؤولية التدهور الاقتصادي والشلل الذي يصيب الوسط التجاري للعاصمة ويؤذي مصالح الناس والدولة. وبالتالي فإن خروج المعارضة من الشارع والعودة الى طاولة الحوار هو الذي يضع الأزمة على طريق الحل وإن على المجلس النيابي أن يعود لأداء دوره والقيام بواجباته الوطنية.
وتنصح الأكثرية فريق المعارضة بالتحسّب للمخاطر والمزالق التي يمكن أن ينحدر إليها الوضع إذا لم تسارع إلى العودة الى المؤسسات الديموقراطية حيث لا حلول خارجها، وأن الاستمرار في سياسة التظاهر والاعتصام والتصعيد لن يؤدي سوى الى مزيد من التشنجات والتوترات بكل ما تحمله من مخاطر على أوضاع البلد ومستقبله. وقد اختصر الرئيس السنيورة صورة المشهد السياسي بالقول: الهواجس كبيرة والمخارج قليلة، وهذا يعني أننا أمام وضع خطير ومأزوم يخشى معه التحول السريع في طبيعة الصراع والمواجهة بما يؤدي الى المسّ بتركيبة لبنان ونسف توازناته السياسية والطائفية الدقيقة.