طرابلس ــ نقولا طعمة
إجماع طرابلسي رافض لإعدام صدّام واختلاف في الدورالأميركي
أجمعت الساحة الطرابلسية على استنكار إعدام الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين ويتمثّل العنصر الأهم للإجماع في توقيت تنفيذ الإعدام في اليوم الأوّل من عيد الأضحى المبارك، وتحديداً من الاحتلال الأميركي


أثارت عملية إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين حفيظة المجتمع الطرابلسي الذي رأى فيه إهانة لمشاعره الدينيّة في اليوم الأوّل من العيد، وملايين الحجيج يؤدون واجباتهم الدينية. أما العنصر الثاني فاعتبار الإعدام اعتداء خارجيّاً جديداً على مركز رئاسيّ رسميّ عربيّ. كذلك يردّد الجميع أن الغاية من الإعدام «إحداث فتنة مذهبية سنيّة شيعيّة».
أما عناصر الاختلاف التي اجتاحت الساحة فكانت على صعيد التعابير المتباينة من عمليّة الإعدام، على المستوى الشعبي، وعلى مستوى القوى السياسيّة لهذه الساحة.
في جولة استطلاعية على عدد من أحياء المدينة، يمكن فرز الموقف الشعبي إلى ثلاثة مواقف تفصيلية: ثمّة فريق معاد للموقف الأميركي في العراق ولبنان على حدّ سواء، وهو لا يؤيّد الحكومة اللبنانية لأسباب متعدّدة، ومنها الدعم الأميركي لها.
وفريق آخر مؤيّد مسبقاً للحكومة في خضمّ الصراع المحليّ، وتالياً غير معاد للموقف الأميركي الداعم لها، لكنّه بدأ يتراجع عقب الإعدام، وخصوصاً لجهة الأسلوب والتوقيت اللذين جرى فيهما. «ربما كان هذا الموقف مؤقتاً، وتعبيراً عن حالة عاطفيّة يتجاوزها الزمن»، بحسب ما لفت أحد أنصار التيارات المواليّة للحكومة، بينما قال آخر: «صدّقني، نعيش في هذه البلاد حالة من الانفصام. أشعر بتناقض كبير في مشاعري لا أعرف كيف أبرره»، بحسب آخر من التيارات عينها. وفي هذا الإطار، يلفت النظر من يرفع صور رموز الحكومة وصدام حسين على واجهة المتجر، وعندما تسأله عن رأيه يضحك في سرّه، ولا يجيب.
أما الفريق الثالث فمؤيّد للحكومة اللبنانية بشكل مطلق، يرفض الإعدام، ويتعاطف مع صدّام، ويرفض الربط بين الموقف الأميركي في العراق، والموقف في لبنان. «هذا شيء، وذاك شيء آخر. حكومتنا تتعرّض لضغط، والأميركي يساعدنا، فهل نرفض المساعدة؟»، يقول أحد الوجوه الشعبيّة الذي أقام مجلس عزاء. ويقول آخر: «إنّه تقاطع المصالح بيننا وبين الأميركي. مصلحته في العراق غير مصلحتنا، أما في لبنان، فالأمر مختلف. هم محتلّون في العراق، وليسوا محتلّين هنا». ويبرّر ثالث بالقول: «ليس الأميركي من أعدمه. إنّه الحكم العراقي ــ الإيرانيّ». وثمّة رابع يقول: «لم يكن من مصلحة للأميركي في التوقيت. كانوا يحاولون المساومة عليه مع الإيراني، لكنّ صدام قطع الطريق عليهم». ويخشى آخرون من انعكاس الإعدام سلباً على تيّار السلطة.
وتنعكس المواقف عينها تقريباً على صعيد القوى السياسيّة. رفض للإعدام، ورفض للأميركي، ورفض للسلطة السياسية الحاكمة. يندرج في هذا الإطار تيار الرئيس عمر كرامي، و«جبهة العمل الإسلامي» التي رأت في الإعدام «محاولة أميركيّة لإشعال فتنة مذهبيّة»، وكافة القوى المنضوية في المعارضة اللبنانية، و«حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي» الذي يترأسه النائب السابق عبد المجيد الرافعي الذي يحتفظ بملاحظات على تياري السلطة والمعارضة في آن، ويمكن قراءة بعض من مواقفه في إحدى اللافتات التي قالت: «إعدام صدّام ومحاكمته الصوريّة قرار أميركي ــ بريطاني ــ صهيوني ــ إيراني». وهو أقام العديد من الأنشطة من مجالس تعزية، ورفع لافتات، وصور جمعت صدام حسين والرئيس الليبي معمّر القذافي، وتعليق أوراق النعي.
أما «المستقبليّون»، وأنصارهم من التيار المناصر للحكومة، فيجمعون على رفض الإعدام رفضاً معتدلاً، «لا نقبل أن يحاكم رئيس عربي بهذه الطريقة. إنّها محاكمة سياسيّة. لماذا لم يحاكم زعماء آخرون؟»، ولا يدافعون عن صدام لأنّه «له أخطاء كثيرة» و«كان طاغية»، و«الأميركيون حلفاء في لبنان، لكن التوقيت كان خطأ وأثار مشاعر المسلمين»، مع تركيز منهم على الدور الإيراني في الإعدام عبر الفيلم الذي عرضه التلفزيون العراقي عن العمليّة، وما أثاره العرض من إثارات مختلفة.
وفي عكار أفاد مراسل «الأخبار» إبراهيم طعمة عن تصاعد وتيرة التحركات المنددة بالإعدام، حيث علقت اللافتات المتشحة بالسواد التي حملت عبارات التنديد بالإعدام وبالحكام العرب والعراقيين وبأميركا فوق الطرقات والشوارع العامة. كما علق النعي الصادر عن الدكتور عبد المجيد الرافعي في العديد من الساحات العامة والمساجد.
وأقيم للغاية مجلس عزاء في بلدة تكريت، التي اكتسبت تسميتها عندما حطت أولى العائلات العراقية الوافدة مع حملة صلاح الدين الأيوبي رحلها في هذه البلدة، حسب ما أوضحه إمام الجامع الشيخ جهاد العبد الله الذي تحدث في المجلس مشيراً إلى «أن إقامة المجلس عن روح الشهيد البطل صدام حسين نابع من رابط مهم يجمع تكريت لبنان التي تيمنت باسم تكريت العراق أيام صلاح الدين الأيوبي».