وفاء عواد
لم يجد رئيس مجلس شورى الدولة السابق يوسف سعد الله الخوري وصفاً لما يجري من خروق للدستور أكثر دقّة من عبارة «فلت الملقّ»، مع تمسّكه بضرورة العودة إلى النصوص القانونية التي «لها القول الفصل» في إثبات دستورية أي مسألة أو إنكارها

في ظل ما يرافق تحركات «الأكثرية» والمعارضة، سجّل رئيس مجلس شورى الدولة السابق الدكتور يوسف سعد الله الخوري عدداً من الملاحظات حول عريضتيهما الاتهاميتين، في حق رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، واللتين تتلاقيان على موضوع التهمة: «خرق الدستور»، مؤكداً أن مساءلة رئيس الجمهورية «لا تستقيم طالما أن الحكومة باتت هي المقصّرة عن اتخاذ ما يلزم بهذا الشأن». وبالتالي، فإن العريضة الأولى «أقلّ جدية» من الثانية المستندة إلى «وقائع وأسباب قانونية جدية، لأن الحكومة ارتكبت من جانبها مخالفات دستورية عديدة، ابتداءً من موضوع الموازنة، وصولاً إلى تجاهل صلاحيات رئيس الجمهورية».
وفي هذا الإطار، أوضح الخوري، في مقابلة خاصة مع «الأخبار» أن رئيس الجمهورية «كان يجب عليه أن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات الفرعية في المتن»، إلا أن مجلس الوزراء «كان بإمكانه أن يتجاوز رفض رئيس الجمهورية التوقيع على المرسوم»، وفقاً للآلية والأصول الواردة في المادة (56) من الدستور، مؤكداً استحالة ملاحقة رئيس الجمهورية «المسؤول، قانوناً، في حال خرق الدستور والخيانة العظمى»، إلا إذا كانت المخالفة الدستورية تشكّل «حاجزاً أو عائقاً لا حلّ له، في ما يتعلّق بتسيير المصلحة العامة أو المرافق العامة».
ومستنداً إلى ما يسمّى في اللغة القانونية «حالة الضرورة»، التي هي جزء من نظرية «الظروف الاستثنائية»، في ما يتعلّق بضرورة استمرارية سير المرافق العامة، حيث «ما لا يكون مشروعاً في الحالات العادية، يصبح مشروعاً في حالات الضرورة الطارئة»، يؤكد الخوري أن مجلس الوزراء الذي أنيطت به السلطة الإجرائية بحكم المادة (17) من الدستور «كان بإمكانه أن يعدّ مشروع مرسوم بإجراء الانتخابات الفرعية في المتن، وأن يحيله على رئيس الجمهورية، وتطبّق بشأنه، عندئذ، أحكام الفقرة الثانية من المادة (56) من الدستور، التي تولي هذا المجلس ــ في حال رفض رئيس الجمهورية ــ حق الإصرار على ذلك. وبالتالي، اعتبار المرسوم صادراً ونافذاً حكماً»، وبذلك، تكون «قد تمت مراعاة الأصول الدستورية، ولا يعود هنالك مجال للوقوع في الفراغ الذي نحن فيه اليوم».
وانطلاقاً من رأيه القانوني في هذا الخصوص، رأى أن مؤاخذة رئيس الجمهورية «في غير محلّها»، لأن مجلس الوزراء يمتلك «فرصة للحلّ»، وإلا فإنه «يتحمّل المسؤولية في حال التلكؤ»، مع إشارته الى أن المادة (41) توجب «إجراء الانتخابات الفرعية خلال مهلة شهرين من تاريخ شغور المركز النيابي»، لأن نصّها واضح لجهة «تقييد السلطة بوجوب إجراء الانتخابات».
وإذ أشار إلى أن المخالفات والتجاوزات التي ارتكبتها الحكومة، رئيساً وأعضاءً «لا يمكن أحداً أن يصحّحها أو أن يتداركها»، لأنها «مرهونة بها وحدها. وبالتالي، تبقى تبعاتها ومضارها الناشئة جاثمة على الدولة»، إذ «لا وجود لسلطة رديفة تزيل آثارها»، لفت الى أن مخالفة رئيس الجمهورية لأحكام الدستور «تزول آثارها بمجرّد اتباع الأصول على يد الحكومة التي هي سلطة دستورية قائمة».
وعن مصير العريضتين اللتين هما بمثابة دعويين مقدمتين الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، الذي تخضع المراجعة أمامه لآلية دقيقة نصّت عليها المواد (19) و(20) و(22) من قانون إنشاء هذا المجلس، لفت الخوري الى أن مجلس النواب «يجتمع بصفته هيئة للنظر في الدعوى المقدّمة إليه ومناقشتها، في جلسة خاصة خارجة عن نطاق الدورات العادية والاستثنائية، وبعد الاستماع الى مرافعات أصحاب العلاقة، يقرّر هذا المجلس بالأكثرية المطلقة من أعضائه (65 نائباً: النصف +1)، إما إحالة الأمر فوراً على لجنة نيابية خاصة (لجنة تحقيق)، قبل التصويت على طلب الاتهام، أو ردّه». علماً بأن لجنة التحقيق «تتشكّل من رئيس، عضوين أصيلين، و3 نواب احتياطيين ينتخبهم المجلس بالغالبية المطلقة من أعضائه»، وهي «تجري التحقيق، وتحيل تقريرها الى مجلس النواب، على أن يبلّغ به ممثلو الادعاء والدفاع». وإثر ذلك، في مهلة لا تتعدّى10 أيام من تاريخ الإيداع المذكور «يلتئم مجلس النواب في جلسة خاصة، بدعوة من رئيسه فقط، يستمع فيها الى التقرير ومرافعتي الادعاء والدفاع، حيث يتمّ التصويت على الاتهام بالاقتراع السرّي بغالبية ثلثي أعضاء المجلس (الغالبية الموصوفة)».
أما إذا لم تتم الدعوة الى الجلسة الخاصة (التي تلي التحقيق) ضمن المهلة المحدّدة (10 أيام)، فإن مجلس النواب «يلتئم، حكماً، في اليوم الـ11 الذي يلي تاريخ إيداع لجنة التحقيق تقريرها، ويستمر في جلساته حتى إصدار قراره في الموضوع (الاتهام أو منع المحاكمة) بأكثرية الثلثين من مجموع أعضائه»، وفي حال التصويت على قرار الاتهام، تحال المراجعة على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لمباشرة المحاكمة.
وبعيداً من منطق «الفتاوى» الدستورية التي تصبّ في خانة «المسايرة»، أكد الخوري أنه «لا يجوز لنائب رئيس أية هيئة جماعية، بما فيها مجلس النواب، أن يدعو إلى اجتماع هذه الهيئة نيابةً عن الرئيس، إلا إذا كان هنالك نص صريح في الدستور يجيز له ذلك». وبالنسبة لمجلس النواب فإن «الإنابة تتطلّب نصاً صريحاً. وما دام هذا الأمر غير موجود، فلا يحقّ لنائب الرئيس أن يقوم مقام الرئيس بالدعوة لعقد أي جلسة، إلا في حال التعذّر، أي استحالة قيام الرئيس بهذا الواجب لظرف استثنائي قاهر». وبالتالي، فإن هذا الأمر ينطبق على الجلسات المخصّصة للعرائض، حيث «لا أحد غير رئيس مجلس النواب يدعو الى عقد الجلسة الخاصة بالتحقيق الأولي، لا نائب الرئيس ولا أي مرجع آخر»، لعدم وجود نص صريح يجيز مبدأ الإنابة في هذا الشأن أيضاً. وفي هذه الحالة، يبقى مصير العريضة «معلّقاً» الى أجل غير مسمّى.
ومتطرقاً الى نبذة خاطفة عن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي «نصّت عليه المادة (80) من الدستور عام 1927، وأنشئ بتاريخ 18 آب 1990»، يشير الخوري الى أن عمل هذا المجلس «يبقى ضمن النظريات القانونية المكرّسة في نصوص دستورية وتشريعية صريحة، حيث لم تجر أية محاكمة من قبله لغاية تاريخه».
واستناداً الى وجوب أن تتأمّن لانطلاقة أي عريضة ولاقترانها بنتيجة قانونية «الأكثرية المطلقة» لإحالتها على لجنة التحقيق و«أكثرية الثلثين» لتوجيه الاتهام والإحالة على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يؤكد الخوري أن العريضتين، في حال عدم توافر الشروط والأصول المشار إليها، تبقيان في إطار «تسجيل موقف معنوي، لا أكثر ولا أقلّ».