أنطوان سعد
توقفت أوساط حيادية مراقبة عند قرار المعارضة إعلان خطواتها التصعيدية من منزل رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون. ورأت فيه توجهاً لتعزيز موقع الأخير في الأوساط المسيحية بعد كلام وإحصاءات صدرت في الآونة الأخيرة لفتت إلى تراجع ملحوظ في التأييد الشعبي له خصوصاً في المناطق ذات الغالبية المسيحية، وبالتحديد في المتن الشمالي حيث المقعد النيابي الشاغر باغتيال وزير الصناعة بيار الجميل. إذ من حيث الصورة، على الأقل، بدا العماد ميشال عون كأنه مرجعية سياسية أساسية في المعارضة متمتعة بموقع متقدم. وربما أُريدَ من هذا الإخراج إبراز في الرابية صورة متناقضة عن تلك التي كانت تظهر في المختارة، في مستهل انتفاضة الرابع عشر من آذار، ثم في قريطم التي لا تزال حتى الآن قبلة فريق السلطة، ومكان اجتماعات قياداته، ومركز الثقل الأساسي في القرار السياسي اللبناني ومنطلق كل المبادرات التي يأخذها فريق الأكثرية.
بيد أن الأوساط المراقبة لم تلحظ في المحيط المسيحي تأثراً لافتاً جراء إعلان خطوات المعارضة من منزل العماد عون في الرابية. فلم تسترع هذه الصورة انتباه القواعد الشعبية المسيحية كما لم يسترعها قيام العماد عون بإلقاء الكلمة الأساسية في التظاهرة الكبيرة الأولى للمعارضة في الأول من كانون الأول الماضي. ذلك أن هذه القواعد أكثر تأثراً وحساسية حيال المسائل ذات الاتصال بتحصين السيادة الوطنية وبتقديم مصلحة القضية اللبنانية على سائر القضايا المحقة الأخرى. فشعار «لبنان أولاً» يستهويها ويحركها أكثر من شعار تحقيق التوازن طالما أنها تشعر بأن لبنان برمته مهدد، وطالما أنها تظن أن الصحوة المتأخرة لحقوق المسيحيين مرتبطة بأجندة إقليمية لها أولويات مختلفة عن تطلعات اللبنانيين، وطالما أنها تخشى أن تكون المطالبة بتصحيح الخلل ظرفية وعابرة.
لذلك فإن كل مسعى لاستقطاب الشارع المسيحي يجب أن يكون مصحوباً بإجابات أو إيضاحات على تساؤلات المسيحيين حول هذه المسائل الثلاث وعليه أن يقترن بمواقف وخطوات عملية وعلنية متعلقة بمطلبين مهمين بالنسبة إلى المسيحيين: قانون الانتخاب واللامركزية الموسعة. وباعتقاد الأوساط المراقبة، إذا أجرت المعارضة تعديلاً طفيفاً في خطابها وأدائها بما يزيل ما يعتبره الشارع المسيحي غموضاً خصوصاً لناحية المشروع السياسي لحزب الله والعلاقات اللبنانية-السورية، وإذا أدرجت قانون الانتخاب واللامركزية على مفكرتها السياسية، فمن شأن ذلك أن يجري تغييرات جذرية في اتجاهات الشارع المسيحي.
وترى الأوساط المراقبة أن حزب الله في طروحاته السابقة ودراساته الصادرة عن مركزه الاستشاري المتعلقة باللامركزية الإدارية غير بعيد عن تطلعات الرأي العام المسيحي. كما أن تقسيم الدوائر الانتخابية بما يحفظ صحة التمثيل المسيحي لا يمس كثيراً قوة الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، في مجلس النواب، فأقصى ما يمكن أن يخسره هو ثلاثة مقاعد في قضاء جزين. في المقابل، إذا تحققت مثل هذه التقسيمات ستكون خسارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الدين الحريري أكبر بكثير وسيكون المسيحيون المتحالفون معهما في وضع حرج جداً على المستوى الشعبي إن هم وقفوا ضد قانون يضمن لهم تقسيمات انتخابية عادلة تؤمن حسن التمثيل المسيحي. وفي هذا الإطار، تتساءل الأوساط المراقبة عما يضير المعارضة إن هي أعلنت تأييدها للدائرة الصغرى أو الفردية التي يطالب باحداهما البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير أو تبنيها لمشروع قانون الانتخاب الذي تقدم به أحد أركانها الوزير السابق ناجي البستاني الداعي إلى اعتماد دائرة انتخابية أصغر من القضاء؟
ما يجدر بالعماد ميشال عون وبسائر قوى المعارضة معرفته أن اجتذاب تأييد القواعد الشعبية المسيحية يقوم في الدرجة الأولى على الخطاب السياسي الصريح والواضح الذي قامت عليه شعبية الجنرال منذ عام 1989 والذي يضع في المرتبة الأولى القضايا السيادية والمصيرية. فالرأي العام المسيحي لم يتعامل يوماً مع العماد عون على قاعدة الربح والخسارة لأنه في أكثر الأحيان لم يحقق ربحاً كبيراً أو نصراً مبيناً للمسيحيين بل عكس في مواقفه وسياسته توقهم إلى بلد تسود عليه دولة مدنية قوية تحفظ حقوق جميع مواطنيها بالتساوي. ربما ينشد الجنرال اليوم مصلحة المسيحيين عبر تأمين مشاركة فاعلة لهم في السلطة التنفيذية، وقد استفاد من سياسته وتحالفاته، في شكل ملحوظ جداً، السياسيون المسيحيون في فريق الأكثرية، ولكن الرأي العام المسيحي لم يفهم بعد في العمق سياسته الجديدة