ثائر غندور
كلمات ترفض زيادة الضرائب وتطالب برحيل الحكومة

نزل العمّال إلى الشارع في أول اعتصام لهم ضد الورقة الإصلاحية المقدمة إلى مؤتمر باريس ـ3. يبتسم أبو فادي القادم من بعلبك، ويقول: «قد يصل صوتنا إلى السعودية أو أميركا حتى تأمرا السنيورة بالتنحي». شعارات اليوم الأول في تصعيد المعارضة كانت نقابية ترفض زيادة الضرائب وتقول بوضوح: «عمّال لبنان غير مستعدين للتضامن إلّا مع حكومة نظيفة».
عند الساعة الحادية عشرة صباحاً بدأ المتظاهرون بالتوافد. العونيون هم أوّل الواصلين، لكن ليس بأعداد كبيرة. طلاب كلية العلوم في الفنار يشدّدون على الصحافيين «نحنا من الفرع الثاني». يصرخ أحدهم: «اعتصام عند الحادية عشرة والنصف أمام السرايا»، ثم يهمس لرفاقه: «قد ينخفض عدد المخبرين».
يعلو صوت كارول سماحة من مكبرات الصوت «بصباح الألف الثالث بعد في جوع، في أطفال مشردين وبكي ودموع». عونيٌ آخر يصل وبيده شعار برتقالي «كما ناضلنا ضد أمرك سيدو... سنناضل ضد أمرك سعدو». قوى الأمن والجيش اللبناني بأعداد كبيرة تقفل كل الطرقات المؤدية إلى مبنى الـTVA (الضريبة على القيمة المضافة) التابع لوزارة المالية في منطقة العدلية وغاليري سمعان ـــ كنيسة مار ميخائيل، مروراً بطريق صيدا القديمة ـــ الطيونة ـــ المتحف ـــ محيط العدلية، وعلى امتداد كورنيش النهر وصولاً إلى مقر الاتحاد.
موظّفو الوزارة، بدورهم، وقفوا على الشبابيك يراقبون الحشود، لكن الدخول إليهم ممنوع «بأمر من قيادة الدرك» التي نشرت مئات العناصر من فوج التدخل داخل المبنى. ارتفع عدد المتظاهرين وجُهِّزت المنصة ـــ البيك آب، فبدأ الاعتصام الذي لم يكن على مستوى حشد المعارضة له. وبدأت سلسة كلمات النقابيين الذين أجمعوا على رفض ما جاء في الورقة الإصلاحية من رفع للضرائب.
أولى الكلمات كانت لرئيس اتحاد نقابات عمال ومستخدمي جبل لبنان، نائب رئيس الاتحاد العمالي مارون الخولي، الذي قال إن «غضبنا عميق وكبير من حكومة الاستهتار بلقمة الفقير، والعامل اللبناني فقد راتبه بفعل سياسة تجميد الأجور منذ عشرة أعوام وبفعل تحميله ضرائب ورسوماً وأعباءً تجاوزت مدخوله وقدرته على إيفائها وحدها، ذلك كله ثمن للهدر والفساد وسوء الإدارة والعجز في الخزينة وفي ضمير المسؤولين عنها. ماذا عسانا نقول عن حكومة لا تستحي بأن يقبض أعضاؤها أكثر من 12مليون ليرة أي أربعين مرة الحد الأدنى للأجور؟».
وتوالى على الحديث كل من نائب رئيس الاتحاد العمالي العام حسن فقيه، رئيس اتحاد نقابات المزارعين جهاد بلوط، رئيس اتحاد نقابات عمال الخدمات في لبنان أنطون أنطون، نائب رئيس نقابة مستخدمي وعمال مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان فرنسوا بشعلاني، رئيس «اتحاد الولاء للمقاومة» عبد الله حماده، ممثل المنظمات الشبابية جمال الغربي، ورئيس اتحاد عمال الشمال فوزي السيد.
ثم تحدث رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن الذي رأى أن الاعتصام “ليس محسوباً على أحد أو يستمد قوته من أحد، إنه يعبّر عن وجع الناس، عن وجع العامل والمزارع والمعلم والطالب والأب والأم والأطفال والشباب والشيوخ”، متسائلاً إن كان إنقاذ الناس يتمّ عبر «فرض ضرائب جديدة مباشرة وغير مباشرة، ورسوم جمركية مضاف إليها ضريبة قيمة مضافة تصل إلى 16%، فيما الأجور المحدودة والمتدنية للعمال لم تصحح منذ اكثر من 10 أعوام”؟ وتابع: “هل ننقذها بتحرير أسعار المحروقات ورفع سعر البنزين ليصل الى 32 الف ليرة؟». ودعا غصن في نهاية كلمته إلى الاعتصام غداً أمام وزارة الطاقة.
شارك في الاعتصام عدد من ممثلي الأحزاب المعارضة والنواب مروان فارس، عباس هاشم، نبيل نقولا وشامل موزايا، الوزير السابق فايز شكر، النائب السابق عمار موسوي.
ورأى النائب نبيل نقولا أن «الاعتراض الأساسي هو على الأشخاص الذين يديرون السياسة الاقتصادية والذين لا يمكن أن نثق بهم على أي حال». أما النائب عباس هاشم فرأى أنّ “التحرك محطة من محطات متتالية، وأن الحكومة بدأت تلامس الخطوط الحمراء وتوظف الاقتصاد في المشروع السياسي”. وأضاف: «كنا نتمنى أن نسعى جميعاً إلى وفاق سياسي ينعكس إيجاباً على الحالة الاقتصادية، وبالتالي نرتقي بهذا الوطن إلى مستوى معالجة الأزمات بديلاً من التعاطي مع الأزمة». من جهته، أكّد النائب فارس أنّ الاعتصامات ستنتقل من وزارة إلى أخرى، و«المؤسف أنّ الوزارات الآن موجودة في مكان واحد وتعيش محاصرة بالاسلاك، وهذه الحكومة يجب أن تسقط أمام التظاهرات المليونية، وهناك حكومات كثيرة في لبنان سقطت أمام التظاهرات». أمّا الموسوي فرأى أن أي خطوة لمصلحة البلد لا يمكن أن تأتي في إطار الانقسام. وأضاف «باريس ـــ 3 في ظل الانقسام السياسي الحالي هو دعم لفريق سياسي، كما عبّر السفير الاميركي فيلتمان عندما قال: «هي مسألة حياة أو موت» بالنسبة الى فريق السلطة».
وكان لافتاً مشاركة الأمين العام للاتحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين كاسترو عبد الله ورئيس اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية عبد الأمير نجدة المقربين من الحزب الشيوعي، على الرغم من إعلان الأمين العام للحزب الدكتور خالد حدادة عدم مشاركة الحزب بالاعتصام بسبب الخلاف السابق مع قيادة الاتحاد العمالي العام. وأكّد نجدة العودة إلى الاتحاد منذ العدوان الإسرائيلي وانقطاع التواصل مع باقي أعضاء التحالف النقابي الذي كان يخوض معركة ضد الاتحاد العمالي العام. أما غصن فردّ على سؤال عن نية البعض إنشاء اتحاد عمالي آخر قائلاً: «فليعملوا أربعة».
انتهت الكلمات، ثمّ دعا غصن إلى التقدّم باتجاه مبنى الـTVA، فانسحب عناصر الدرك ليحل مكانهم الجيش اللبناني وترتفع الشعارات ضد الحكومة ورئيسها. انفكّ عقد المعتصمين عند الثالثة بعد الظهر، ووعد المشاركون أنفسهم بأن يكون اعتصام اليوم أمام وزارة الطاقة أكثر حشداً.