جان عزيز
في منتصف تشرين الثاني الماضي، حين قامت المرشحة الاشتراكية الى انتخابات الرئاسة الفرنسية، سيغولين رويال، بزيارة بيروت، سمعت من أحد النواب اللبنانيين الأعضاء في لجنة الشؤون الخارجية، كلاماً تحذيرياً صريحاً، من اتجاه الدولة اللبنانية نحو انقسام كامل في مؤسساتها الدستورية، اذا استمرت الأمور على ما كانت عليه في حينه.
يومئذ لم تكن المعارضة قد بدأت تحركها العملاني، ولم تكن القطيعة بين «نصفي» الوطن قد وقعت بعد. ولم تكن الخطوات «الانفصالية» قد اتخذت، تحت ذرائع العدالة والشرعية الدولية والسياسة والاقتصاد. يومئذ أرهص النائب العتيق، بأن ثمة خشية كبيرة، من أن تتجه بيروت مجدداً، الى واقع دستوري مسخ، عنوانه حكومتان اثنتان للدولة اللبنانية الواحدة.
لم تتوقف رويال كثيراً عند الملاحظة، لكن الأهم أن ممثل بلادها في بيروت، السفير برنار ايمييه، كان حاضراً ومستمعاً منصتاً. وهو أضاف بلا شك تحذير النائب الصديق، الى مخزون خبرته في السياسة اللبنانية، منذ ساهم في صنع القرار 1559 من موقعه في إدارة خارجية بلاده لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط، الى انخراطه في توليد الاكثرية الحاكمة في بيروت اليوم، بعد انتقاله الى العاصمة اللبنانية واضطلاعه بدور اساسي في الانتخابات النيابية الأخيرة وتأليف الحكومة الحالية.
يومئذ كان الهدف الفرنسي المعلن، هو قيام سلطة لبنانية سيدة موحدة خارج أي وصاية أو هيمنة. أقل من عامين كانا كافيين لانكسار المسعى، وأقل من أسابيع قليلة، تبدو باقية للجميع، قبل احتمال أن يتحول التحذير الذي سمعه السفير الفرنسي، واقعاً قائماً في بيروت، وذلك وفق إيقاع ما سيجري في باريس، بدءاً باجتماعات الأمس التحضيرية لمؤتمرها، وصولاً الى انعقاده في 25 الجاري.
ما هو سيناريو «التقسيم» الحكومي المرتقب؟ مصادر سياسية مطلعة تؤكد أن كل الخطوات التمهيدية باتت جاهزة ومكتملة لدى الطرفين. وأولها أن تعود السلطة القائمة من مؤتمر باريس ـ 3، وهي تحت ضغط عاملين اثنين. إحساسها بدعم دولي متجدد لإنجاز برامج عملها. وشعورها بضغط الوقت أكثر فأكثر لتحقيق ما هو مطلوب منها، وخصوصاً في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية والبداية الفعلية للإدارة الديموقراطية للكونغرس الأميركي.
ويرجّح المطّلعون أن يعقب مؤتمر العاصمة الفرنسية المرتقب، قيام الأكثرية الحاكمة بحملة سياسية ــ إعلامية، تحاول فيها تقديم أجندتها على أنها أولويات لم تعد قابلة لأي تأجيل داخلي أو خارجي، خصوصاً لجهة مسألتي المحكمة الدولية والإجراءات المطلوبة تشريعياً وتنفيذياً لملاقاة الوعود الباريسية المنتظرة بنحو 4 مليارات دولار أميركي. وتحت ستار تلك الحملة، ستبادر الأكثرية الى اجتياز الخط الأحمر، عبر دعوة نوابها الى اجتماع، يقدم على أنه جلسة قانونية للمجلس النيابي، بعد أن يكون النواب أنفسهم قد تقدموا بعريضة لطلب فتح دورة استثنائية للبرلمان، وفق نص المادة 33 من الدستور. وبمعزل عن تعاطي رئيس الجمهورية مع هذا الطلب. تشير معلومات المطلعين أنفسهم الى اتجاه الأكثرية نحو عقد «جلسة نيابية» برئاسة نائب رئيس المجلس، معلنة بذلك «كسر الجرّة» الدستورية نهائياً. وتضيف المعلومات نفسها إن القوى المعارضة باتت على بيّنة من هذين الحساب والاتجاه. وهي بدأت فعلياً استعداداتها للرد. وتكشف أن سيناريو الجواب مرشح لأن يتخذ الشكل الآتي: فور توجيه الأكثرية أي دعوة لاجتماع نوابها على أنه «جلسة نيابية قانونية»، سوف يصدر عن رئيس الجمهورية مرسوم باعتبار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مستقيلة، استناداً الى المادة 53 من الدستور، وفي سياق تعليل دستوري يجتهد في قراءة المادة 69، حالات اعتبار الحكومة مستقيلة، في شكل مرتبط ومتلازم مع الفقرة «أ» من المادة 9، تمثيل الطوائف بصورة عادلة في تأليف الوزارة، والفقرة «ي» الميثاقية من مقدمة الدستور.
وترجّح المعلومات نفسها أن يؤدي هذا المنعطف الخطير الى واقع تقسيمي كامل على مستوى المؤسسات الدستورية. بحيث تؤلّف حكومة الاكثرية ومجموع نوابها مجلسين قائمين للوزراء والنواب.
فيما تتجه المعارضة الى إجراء استشارات نيابية لقيام حكومة جديدة، وفق المادتين 53 و 64 من الدستور، ليكون لها آنذاك مجلساها النيابي والوزاري المقابلين. وفي هذه الحال يتوقع المطلعون أن تندلع حربان شرستان، بين المجالس الاربعة المتقابلة. حرب أولى خارجية، بهدف نيل اعتراف الحكومات الأجنبية بكل من «الدولتين»، وذلك في ظل عيوب دستورية فاضحة تحيط بهما. ذلك أن «دولة» الأكثرية ستكون معيبة بلا قانونية «مجلسها النيابي». فيما تكون «دولة» المعارضة، معيبة بعدم حصول «حكومتها» على ثقة المجلس، وفق أحكام المادة 64 أيضاً من الدستور.
أما الحرب الثانية والأعنف، فينتظر ان تدور رحاها حينئذ في الداخل، تحت عنوان سيطرة كل من «الدولتين» على الوزارات والإدارات العامة ومؤسسات الدولة. وتلاحظ المعلومات نفسها أن الموقع الأكثر حساسية في هذا الصراع، سيكون مصرف لبنان، في تكرار لما حصل سابقاً، مع قيام عهد الوصاية السورية، بين 24 تشرين الثاني 1989 و13 تشرين الأول 1990.
هل هي مجرد سيناريوهات من قبيل أفلام العلم الخيالي؟ مطلعون يؤكدون عكس ذلك، ويجزمون بأن كل التحضيرات اللازمة تحسباً، على وشك الإنجاز.
ولم يعد ينقص التخطيطات العملانية، الاّ كيفية انتقال نبيه بري الى بعبدا، في ظل نصائح جازمة له، بعدم مبارحة مكان اقامته، أياً كانت التدابير الأمنية المتخذة له، كما ينصح الناصحون.