إبراهيم عوض
لم تكن زيارة السفير الاميركي جيفري فيلتمان للرئيس عمر كرامي أول من أمس مفاجئة بعد انقطاع دام اكثر من سنة ونصف سنة، إذ إن الأول مهّد لها باتصال هاتفي مع رئيس الحكومة السابق في اليوم الثاني لعيد الأضحى أسمعه خلاله عبارات ودية وتمنيات بأن ينعم لبنان بالطمأنينة والسلام في العام الجديد، معوّلاً على «جهوده والمخلصين بهذا الخصوص»، مواعداً محدثه على لقاء قريب معه.
اللافت في الزيارة ليس الفارق الزمني الكبير بينها وبين سابقتها التي جرت خلال ترؤس كرامي للحكومة عام 2005، بل كونها تأتي بعد انتهاء عطلة الأعياد وغداة إعلان المعارضة انطلاق المرحلة التالية لتحركها، المشمولة بالتصعيد، كما أنها لم تقتصر على كرامي وحده بل شملت في اليوم نفسه قطبين في المعارضة هما نائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر، ونائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، الذي دعا زائره الى مأدبة عشاء في منزله حضرها أيضاً النائب ايلي سكاف.
وفيما ذكر أن السفير الأميركي عازم على مواصلة لقاءاته مع قادة وشخصيات في المعارضة خلال الأيام المقبلة، رأت أوساط سياسية متابعة أن تحرك فيلتمان الجديد وانفتاحه غير المسبوق على المعارضة جاء متأخراً لكنه يبقى أفضل من ألّا يأتي أبداً، وخصوصاً أن نصائح سابقة أُسديت إليه بضرورة ألّا يحصر اجتماعاته واتصالاته بفريق السلطة والاكثرية بل أن يصغي الى «الرأي الآخر» حتى تكتمل الصورة لديه. وعلم أن وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ، قبل أن يقدِم على الاستقالة بأيام، صارح السفير الأميركي في معرض شكوى الأخير مما تنشره «الأخبار» عنه بأن يعيد النظر في تعاطيه مع الموضوع اللبناني ويحرص على التواصل مع الجميع اذا كان راغباً في ألا يكون طرفاً في النزاع الدائر على الساحة او منحازاً لفريق دون آخر.
قطب بارز في المعارضة ممن شملتهم زيارات فيلتمان الأخيرة أبلغ «الأخبار» أنه لمس تبدلاً في حديث ممثل الولايات المتحدة لدى لبنان، اذ غابت عنه بالدرجة الأولى لغة الاكتفاء بإبلاغ الرسائل على غرار «وجوب تقدم الانتخابات الرئاسية على الانتخابات النيابية المبكرة»، او «إعطاء الأولوية لإقرار مشروع المحكمة الدولية على ما عداه من أمور أخرى وفي مقدمها تأليف حكومة المشاركة او الوحدة الوطنية»، وبات أكثر ميلاً للاستفسار عن المآخذ التي تسوقها المعارضة ضد اهل الحكم وجماعة 14 آذار، والاطلاع على رأيها في أسباب فشل المبادرات التي توالت لحل الأزمة، والتعرف الى وجهة نظرها في كيفية الخروج من الوضع الراهن. ولفت القطب نفسه الى انه لا يبالغ إذا ما قال بأن السفير فيلتمان بدا له في لحظة كمن يتحول من موقع «المستمع الجيد» لما يقوله مضيفوه الى موقع «المتفاعل» مع هذه الأقوال معبراً عن ذلك بالإعراب عن المعاناة التي يشعر بها جراء التباعد الحاصل بين الفرقاء اللبنانيين وإبداء تخوفه من تدهور الأوضاع إذا استمرت الحال على ما هي عليه الآن.
وأفاد القطب المعارض أن أكثر ما استوقفه في ما سمّاه «النيو ـ لوك» الجديد لفيلتمان، أو الإطلالة السياسية الجديدة اللافتة له، تحذيره من «أن الخارج لن يقدم إليكم شيئاً» فيما يخص حل الازمة الراهنة، وأن «وحده التفاهم بين اللبنانيين كفيل بذلك وبإخراج البلد من مرحلة الاضطراب التي يعيشها». من هنا يحث السفير الاميركي من يلتقيهم على العودة الى طاولة الحوار اليوم قبل الغد وعدم إضاعة الوقت في انتظار ما ستقوم به واشنطن او الرياض او غيرهما من الدول في هذا الصدد.
ويعزو القطب المعارض ما صدر عن فيلتمان من مواقف مغايرة لتلك التي درج عليها الى بداية مراجعة واشنطن لسياستها في المنطقة ومن المؤشرات على ذلك الزيارة المرتقبة لوزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس المرتقبة الى عدد من دولها، وما يحكى عن اقتراب الإدارة الأميركية من حالة يصبح فيها الحوار مع ايران وسوريا «أمراً لا بد منه»، إضافة الى الإخفاقات الظاهرة والمتلاحقة التي ارتكبتها السلطة الحالية في إدارتها لشؤون الدولة وخصوصاً بعد استقالة الوزراء الشيعة منها، الأمر الذي يستدعي، وفقاً للحساب الأميركي، البحث عن بدائل أخرى تحسباً للمفاجآت وقبل فوات الأوان.
ولم تفت القطب المعارض البارز الإشارة في ختام حديثه الى أن في سعي السفير الاميركي الى التقرب من المعارضة ـــ وان على مضض ـــ رسالة موجهة هذه المرة الى الحكومة والاكثرية مفادها أن عليهما القيام منذ الآن بـ«التمارين اللازمة» استعداداً للاعتماد على نفسيهما وعدم الاتكال على الدعم الاميركي الذي قد يضطر الى إنهاء مفعوله على حين غرة.