جورج شاهين
مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر «باريس 3» ارتفعت حدة التشنجات على اكثر من مستوى سياسي وحزبي وفي الشارع، الامر الذي لم تشهده البلاد من قبل خصوصاً في ظل الانقسامات التي باتت تهدد المؤسسات الدستورية وسط تعدد الفتاوى التي راجت أخيراً على قاعدة «غب الطلب».
وعلى وقع التوتر الشديد الذي جاور الذروة، عبّرت مصادر اقتصادية واسعة الاطلاع عن قلق إزاء السيناريوهات المتداولة، والتي تتوقع انقساماً في المؤسسات لم تشهده البلاد حتى في اسوأ الظروف، بحيث تعمم التجربة القائمة في القطيعة شبه النهائية بين رئاستي الجمهورية والحكومة، وما بينها ورئاسة المجلس النيابي فيستعاد مشهد البلد عشية اتفاق الطائف عام 1989، مع فارق بسيط هو أن المجلس النيابي بقي في تلك الفترة خارج دائرة التجاذبات السياسية والدستورية.
وأضافت المصادر أن من مظاهر القلق غياب الوسطاء والاتصالات المعلنة والزيارات المكوكية التي قادها السفراء العرب والاجانب والامين العام للجامعة العربية والموفد السوداني، فيما يواصل كل طرف اجراءاته كأن كل شيء على ما يرام، وليس هناك من داع لإجراءات استثنائية في ظروف استثنائية.
فالحكومة عقدت جلستها العادية امس وأقرت جدول اعمال عادياً وموسعاً تضمن البت بموازنة عام 2006 وملحقاتها، وأجرت تعيينات ادارية في الجيش وبعض الوزارات والمؤسسات العامة، الامر الذي كان مستبعداً في ظل اكتمال عقدها وفي ظروف عادية. كما اقرت بعض الاجراءات الخاصة بالتحضير لمؤتمر «باريس 3».
وفي المقابل وضعت المعارضة اللمسات الاخيرة على سلسلة اجراءات تنوي اتخاذها من شأنها اطاحة الحكومة، وأعدت العدة لتظاهرات واعتصامات في اطار برنامج تصاعدي يبلغ ذروته مع اقتراب موعد مؤتمر باريس.
وفي هذه الاجواء، قالت مصادر اقتصادية واكبت اجتماعات باريس والتحضيرات للمؤتمر قبل اسبوعين على انعقاده، ان مبلغ المليارات الخمسة من الهبات والقروض الميسرة بات مضموناً، وأي مبلغ اضافي يعدّ مكسباً اضافياً. وأكدت أن الاجواء التي رافقت الاجتماعات شهدت تجاوباً مع الطلبات اللبنانية التي وصفتها بأنها «واقعية وصريحة»، ولم تخرج عن «المعايير الدولية» المعتمدة، ومن ضمن الاطر المنطقية وعلى قياس القدرات اللبنانية وامكانات تطبيقها.
لكن المصادر نفسها، رغم توقعاتها الايجابية لم تخف قلقها من المعلومات التي تتحدث عن خضّات سياسية مرتقبة على الساحة اللبنانية يمكن ان تنعكس سلبياتها على مقررات المؤتمر على رغم الدعم الدولي الذي قل نظيره، والذي يصح فيه القول بأنه مهما حصل في لبنان لا يمكن أياً من الدول والمؤسسات المانحة ان تتردد في دعم الحكومة اللبنانية لأسباب سياسية تجاوزت كل المحظورات الاخرى.
وعلى هذه الخلفية، اكدت المصادر الاقتصادية أنها تراقب بدقة الاجواء السياسية في المنطقة ايضاً، وهي رصدت الاجواء الدولية والاقليمية الضاغطة على الجميع جراء ما يحيط بالوضع في لبنان او سوريا أو ايران او العراق ومنطقة الخليج، بما حملته المعلومات من تناقض بين الحديث عن حوار في الكواليس من جهة والمكائد المنصوبة في الوقت عينه، وفي اعتقادها ان عام 2007 يحمل كثيراً من التفاعلات لأزمات المنطقة المتصاعدة بوتيرة مقلقة منذ عقود، والتي، في كلتا الحالتين، لن يكون لبنان في منأى من انعكاساتها السلبية أو الايجابية.
بناء على ذلك، تقول الاوساط الاقتصادية إن الاطراف السياسية قررت على ما يبدو اعتماد سياسة الهروب الى الامام بعدما رفعت سقوف المطالب الى حدود استحالة العودة دونها، وهو امر فرض اللجوء الى قرارات غير منطقية وغير شعبية تنذر بأسوأ العواقب التي تقود البلاد الى وضع يصبح الخروج منه بأقل الخسائر الممكنة من المعجزات.