جان عزيز
لا يمكنك وأنت تستمع الى آراء المسؤولين الايرانيين حول لبنان، الا أن يحضر في ذهنك مدخل منزل الامام الخميني في شميران، وقد علته صورة كبيرة للسيد حسن نصرالله فوق صورتين صغيرتين للامامين الخميني وخامنئي. فلبنان حاضر بقوة في طهران، في الشارع والمنتديات والدوائر الرسمية. والأسباب عديدة: فهناك هذا المشترك التاريخي في كون لبنان وايران كيانين تاريخيين قديمين، على عكس كثير من دول المنطقة الأخرى. وهناك المشترك الديني- التاريخي من جبل عامل الى هنا. ويبقى الأهم هذا التماس الذي يؤمنه لبنان مع أبرز مرتكزات الثورة: المواجهة مع اسرائيل. لكن مع ذلك ثمة مقولتان ثابتتان في خطاب الرسميين حيال الملف اللبناني: «أولا نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وثانيا نحن ندعم كل ما يجمع عليه اللبنانيون».
غير أن الدخول في التفاصيل يظهر معطيات أكثر معنى ودلالات.
لا يتردد أحد مسؤولي الخارجية الايرانية في تأكيد المقولة المعروفة، من أن سلاح «حزب الله» مرتبط بمسألة اسرائيل. لكنه يسارع الى التأكيد أن هذا لا يعني اطلاقا أن الحزب حالة ايرانية. "لقد أكد الامام الخميني بوضوح أننا نحن في ايران أنجزنا تحرير بلادنا من نظام استبدادي. وأننا بذلك نعطي مجرد مثال للشعوب الأخرى من أجل أن تنجز هي معاركها التحريرية الخاصة بها، اذا أرادت ذلك». ويلاحظ مسؤول آخر أن «الدستور الايراني نفسه ينص على دعم حركات التحرر للشعوب. وهذا أمر نعتبره واجباً طبيعياً. صحيح أن «حزب الله» أفاد من دعمنا أكثر من سواه. فلكل زمان وجوه ورجال، وصودف أن الفترة التي شهدت دعمنا المقاومة اللبنانية كانت فترة صعود «حزب الله». ثم أن أي دعم هو مثل المطر، اذا نزل على أرض خصبة أثمر، واذا أصاب أرضا غير صالحة لم يفعل». ويسرد العديد من العارفين بالشأن الايراني الأمثلة حول استقلالية «حزب الله» الكاملة في عمله، منذ تأسيسه حتى اللحظة: «أصلا، وعلى عكس ما يعتقد البعض، لم يكن تأسيس الحزب مشروعاً ايرانياً، بل لبنانياً صرفاً. كان ذلك عام 1982، اسرائيل تحتل لبنان، وفي بيروت قامت «هيئة الحوار الوطني» التي أنشأها الرئيس الراحل الياس سركيس. شارك فيها نبيه بري، فاعترض عدد من مسؤولي «أمل». جاؤوا الى طهران وطرحوا الصوت. في البداية لم يهتم أحد، الى أن التقوا رفسنجاني، سمعهم، وكتب للامام، فأحال الموضوع الى السفير الايراني في دمشق، وبدأت الحكاية». البعض لا يوافق على تاريخية هذه القصة، لكن خلاصتها مقبولة من الجميع: «لحزب الله استقلالية كاملة، ولا علاقة لايران بأي خطوة أو عمل يقوم به. في الفترة السابقة كان بعض المسؤولين الايرانيين لا يفهمون أحيانا أداء حزب الله حيال السوريين. وأحيانا أخرى كانت للبعض في طهران آراء شخصية مغايرة في مسائل أخرى. لكننا في كل الحالات كنا نثق بحكمة السيد حسن نصرالله، وكنا وما زلنا نؤمن باستقلالية مقاومته المطلقة».
لكن الأزمة الراهنة بلغت مستويات خطرة، خصوصا لجهة الاصطفاف المذهبي الحاصل، ألا يدفع ذلك الى نوع من المداخلة الضرورية؟ ليسارع مصدر في الخارجية الى التأكيد أن هذا الوضع الخطير القائم عائد الى التدخل الخارجي، وليس الى الواقع اللبناني الخاص. «صحيح أن ثمة تمايزات بين ايران وبين بعض جوارها، فهناك تمايز مذهبي وآخر عرقي. لكن المسائل في عمقها سياسية بحتة، ومرتبطة يالمصالح وحسابات الأدوار والأحجام. ونحن نؤمن أن أي تحويل لهذه الحيثيات السياسية الى غير طابعها، خصوصا أي تحويل لها الى الاطار المذهبي، انما هو استهداف لنا أولا، واستهداف للبنان ولكل اللبنانيين».
أما في تفصيل الداخل اللبناني فيشير مصدر الخارجية الى «أننا ندعم النظام اللبناني القائم من دون أي تحفظ. ونحن ندعم اتفاق الطائف والسلطة المنبثقة منه. وليس صحيحا اطلاقا أننا قد نشجع التفكير في طائف جديد ثان. ورغم كل الأزمة الراهنة، فاننا نثق بحكمة اللبنانيين، وبقدرتهم على ايجاد الحلول اللازمة». وعند تفنيد المسائل الخلافية، يصر مسؤول ايراني على التكرار أن «طهران كانت وستظل تمتنع عن القيام بأي تدخل في الشأن اللبناني الداخلي، داعما موقفه بالقاعدة الشرعية القانونية: البينة على المدعي، واليمين لمن أنكر. من يقول أننا نتدخل عليه أن يقدم الدليل، وأن يكون غير هذه الاتهامات الاعلامية التي تطالعنا منذ فترة. نحن قلنا أننا نتعامل مع السلطات اللبنانية الرسمية والدستورية. وحين يغير اللبنانيون هذه السلطات، سنتعامل بالطريقة نفسها مع من يختارونه بدلا منها. لذلك حتى في موضوع التمديد لرئيس الجمهورية، رفضنا أن نقول أي شيء للسوريين، كي لا نكون بذلك نتدخل».
وماذا عن قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بهذا الموضوع؟ يسارع مسؤول ايراني الى التأكيد أن ايران تحترم هذه المرجعية الدولية، «انما مع التذكير بضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة في شكل دقيق وكامل. وهو الميثاق الذي يؤكد احترام الشرعية الدولية لسيادات الدول ودساتيرها وقوانينها». وفي هذا المجال يؤكد المسؤول نفسه أن ايران أعلنت أنها مع قيام المحكمة الدولية الخاصة في قضية اغتيال رفيق الحريري، «وكررنا مرارا أننا لسنا مع القرار 1559، لكننا مع القرار 1595. واضطررنا الى تكرار هذا الموقف، حتى لا تلتبس الأرقام على أحد، خصوصا أن اللغة الفارسية تقرأ الأرقام في شكل مغاير للعربية، على الطريقة الانكليزية، فرحنا نكرر: 1559 لا، 1595 نعم». لكن ماذا عن الحل المطلوب، متى وكيف؟ رغم اللاتدخل، فان الأجوبة موجودة في طهران.