طارق ترشيشي
يجمع أكثر من مصدر يتعاطى مع الأزمة القائمة بين فريقي السلطة والمعارضة على أن معالجتها هي الآن في مرحلة المخاض. فإما تكون تسوية يتفق عليها الطرفان في إطار المبادرة العربية أو غيرها، وإما مواجهة حاسمة بينهما تنتهي بغلبة أحدهما على الآخر، لأن أوضاع البلاد وصلت الى مرحلة باتت لا تتحمل مزيداً من التأزم والتوتر.
المشهد السياسي الماثل الآن يدل على أن السلطة لا تزال تراهن على الدعم الأميركي والفرنسي خصوصاً، بعدما تبلغت من السفير الأميركي جيفري فيلتمان أن لا تغيير في السياسة الأميركية في لبنان وأن الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأميركي جورج بوش في العراق لن يكون لها أي صلة بما هو عليه موقفها من الوضع اللبناني ودعمها للفريق الأكثري الحاكم. وعلى هذا الأساس سيذهب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى مؤتمر باريس ـ 3 ليستفيد مما سيحصل عليه من تأييد دولي بغية تأكيد شرعية حكومته دولياً التي تطعن بها المعارضة منذ استقالة الوزراء الشيعة منها.
وإلى ذلك، فإن السلطة كانت ولا تزال ترفض تسوية تعطي بموجبها المعارضة الثلث زائداً واحداً في الحكومة بعد توسيعها وتعديلها لتصبح حكومة وحدة وطنية، بل إنها ما زالت عند تمسكها بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وإقرار مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قبل البحث في الوضع الحكومي.
وقيل في هذا المجال إن السفير فيلتمان أبلغ الى الوزير السابق فؤاد بطرس أخيراً أن الولايات المتحدة «تريد إبقاء المحكمة الدولية سيفاً مصلتاً على سوريا»، ما يعني أنها تريد أن تستخدمها في أي تفاوض أو مواجهة مع سوريا في المرحلة المقبلة. وهذا الموقف الأميركي هو ما يدفع سوريا والمعارضة الى التخوف من أن تكون هذه المحكمة «محكمة لتصفية الحسابات».
وفي المقابل، تبدو المعارضة، وقد تمكنت من تسجيل هدف في مرمى الأكثرية بامتلاك المبادرة والمطالبة بكشف الحقائق في كل جرائم الاغتيال ومحاولات الاغتيال، مستفيدة من المطالبة الروسية في مجلس الأمن الدولي بكشف الدول العشر التي لم تتعاون مع التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري، آخذة على الأكثرية عدم التحرك في هذا الاتجاه ما دامت حريصة على معرفة الحقيقة، في حين جاء ردها على الموقف الروسي غير مقنع حتى لجمهورها.
ورغم كل ذلك، فإن أوساط المعارضة تقول إنها لم تقفل بعد الأبواب أمام المبادرات والتسويات، وإنها عرضت على الوسطاء قبل يومين أنها تخطّت موضوع حكومة الوحدة الوطنية الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لكنها مستعدة للعودة عن هذا الموقف إذا أُعطيت «الثلث الضامن» في الحكومة بعد توسيعها أو تعديلها. فكان رد الأكثرية أنها تقبل أن يكون للمعارضة عشرة وزراء، لا 11 وزيراً، شرط أن يكونوا من حزب الله وحركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» فقط. فرفضت المعارضة، مؤكدة أنها تريد أن تتمثل بكل فصائلها، ولا دخل للأكثرية في تحديد هذا التمثيل وطائفيته وحزبيته.
لكن مطلعين يقولون في هذا المجال إن ارتفاع لهجة المعارضة وتلويحها باللجوء الى الحسم ضد فريق السلطة لا يلغي حقيقة وجود مسعى سعودي يقوده السفير عبد العزيز خوجة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وهو ينطلق من تفاهم مبدئي حصل بين المملكة العربية السعودية وحزب الله على وجوب تضافر جهود الجميع لتوفير حل للأزمة. وقيل إن الجانب السعودي طلب من المعارضة فرصة وتخفيف اللهجة لتمكينه من إقناع فريق السلطة بالدخول في تسوية. ويبدو أن هذه الفرصة ما تزال سارية المفعول، لكن المعارضة رغم ذلك ترى أن لا ضير من التأكيد أنها متجهة الى الحسم حتى إذا لم ينجح المسعى السعودي لدى الأكثرية تكون محتفظة بقدرتها على التعبئة وتطوير الموقف التصعيدي.
ويبدو أن هذا المسعى السعودي يفسر سرّ غياب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن الإعلام المرئي لأنه لن يطل إعلامياً ويتكلم أنصاف الكلام. فعندما سيتحدث إما يكون قد فقد الأمل في الوصول الى تسوية، وعندها يطلق موقفاً تصعيدياً وتعبوياً يبنى عليه السلوك المرحلي للمعارضة، وإما تكون قد حصلت تسوية فيزفّها الى جمهور المعارضة واللبنانيين عموماً. علماً بأن السيد نصر الله كان متوقعاً أن تكون له طلّة تلفزيونية بعد عودة وفد حزب الله من زيارته للسعودية واجتماعه مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. ولذلك تعتقد أوساط سياسية أن هناك فرصة جدية قد تكون الأخيرة معطاة للتسوية على رغم تحذير الرئيس نبيه بري قبل أيام من «خطورة الأوضاع».