فداء عيتاني
لا يكف الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة وقيادة حزبه عن الحلم. منذ وصل الى الـأمانة العامة للحزب، يطرح حدادة مبادرات وصيغاً لتجميع القوى اليسارية والعلمانية. هل تخترع الأحلام لإبقاء نبض الحياة يجري في عروق الناس؟ «لا يمكنني قول ذلك. هذا رأيك». يجيب من خلف مكتبه وفوقه صورة تجمعه مصافحاً جورج حاوي الذي لم يكن أقل اجتهاداً من خلفه في طرح المبادرات والافكار، سواء تلك القابلة أو غير القابلة للتنفيذ.
لا يرضى حدادة بسقف التحرك الحالي لقوى المعارضة، ليس لأنه خارج المعارضة ولكن انطلاقاً من أن حزبه أكثر تجذّراً فيها. ويشدد على تطبيق ثلاثة بنود رئيسية في اتفاق الطائف: الإصلاح الاجتماعي عبر المجلس الاقتصادي الاجتماعي، الغاء الطائفية تدريجياً، وقانون انتخاب على قاعدة النسبية. وحين تلح عليه بالسؤال بشأن إصراره على اتفاق الطائف ما دامت منطلقات الحزب تختلف جذرياً عن آلية المحاصصة المذهبية، يرد بأن هذه البنود كفيلة في حال تطبيقها بتغيير النظام اللبناني الطائفي الذي نعرفه.
في لقائه الأخير مع الأمين العام لحزب الله، اتضح لحدادة أن سقف التحرك الحالي لقوى المعارضة محكوم سلفاً. أخبره السيد حسن نصر الله أن ما يشكل خطاً أحمر لدى «حزب الله» هو وحدة الطائفة الشيعية وعدم حصول أي فتنة مع الطائفة السنية. حينئذ صارح حدادة مضيفه بأن ذلك سيدفع بالحزب الشيوعي الى خارج المشاركة، وأنه على رغم تفهمه لموقف «حزب الله»، يرى نفسه خارج الحساسيات الطائفية.
إلا أن ذلك لم يمنع الشيوعي من «العمل ضمن قناعاته» كما يؤكد حدادة، وهو ما دفع بالحزب الى إعلان موقف واضح من ورقة الإصلاح الحكومية وإعلان تحركه الخاص لمواجهتها، كما لم يحل دون تعرض الشيوعي لضربات «الاكثرية»، كما حصل عندما أعلن عدد من كوادر الحزب انشقاقهم عنه في مؤتمر صحافي عقد في البقاع أخيراً. وهو ما يستغربه حدادة، الذي يؤكد أن كل المشاركين في مؤتمر الحزب الاخير من كامل محافظة البقاع لم يزد على 470 شخصاً، «فكيف ينشق 300 كادر في منطقة واحدة من مناطق البقاع؟ وأين كان هؤلاء عندما عقد مؤتمر الحزب؟».
ويضيف حدادة الذي سيغادر البلاد إن الشيوعيون بأغلبية 90 في المئة منهم خارج التنظيم، ووضع الحزب لا يبعث على أي قلق حاليا، ومن هو خارج التنظيم سبق أن غادره منذ اكثر من خمسة أعوام.
ويضيف إن بعض الصدامات المفتعلة في منطقة كعرسال أدت الى رد فعل عكسي ضد تيار المستقبل، حيث رأى كثير من أهل المنطقة ان الشيوعيين هم ملجأهم ضد تطرف او مشكلات طائفية تعزلهم عن محيطهم الطبيعي.
الى الماضي القريب كان الشيوعيون يعدون لمؤتمر عام لقوى اليسار والقوى العلمانية. كان يفترض بذلك أن يؤسس لإطار عملي، اضافة الى الاتفاق على نقاط سياسية مشتركة، إلا أن ذلك أصبح من الماضي بحكم تأزم الوضع السياسي العام، وابتعاد قوى اليسار بعضها عن بعض نتيجة الفرز الحاصل في البلاد. اما اليوم فإن حدادة يطمح، مع مجموعة من خارج الحزب، الى عقد لقاء لكل الماركسيين من تنظيمات وغيرها، وهو ما سيكون تجميعاً لمئات من الكوادر في مرحلة أولية، على أن يتم الاتفاق على الحد الادنى من النقاط التي يرضاها هؤلاء لأنفسهم، وهي بحسب حدادة القضية الوطنية والمسألة الاقتصادية الاجتماعية، على أن تتمكن هذه القوى من تأليف مجموعات عمل فعلية لا إطار نظري يراعي تمثيل كل الأطراف سواء مجموعات او أحزاب او مناضلين.
منظمة العمل الشيوعي يبدو أنها خارج السياق لاعتباراتها الخاصة، بحسب ما يُستشف من حدادة، الا ان تنظيمات ومجموعات تم الاتصال الأوليّ بها، وسيتم إعداد الورقة الأولى بالتعاون مع فوّاز طرابلسي الذي يفترض أن يتم ما يتعلق به قبل مغادرته البلاد قريباً، أضف الى أن المؤتمر أو اللقاء ليس على نار حامية، اذ يفضل حدادة اخذ الوقت المناسب للأعداد للقاء.
ليس الخوف من الفشل هو ما يدفع الى اعطاء هذا اللقاء وقته في الاعداد، لكن يبدو ان الشيوعي يحاول السير بهدوء على رغم كل ما يعصف بالبلاد، على أمل ألا يقع المزيد من التطورات التي تلغي هذه الفكرة الجديدة للحزب قبل ان تنتقل الى حيز التنفيذ.