توفي نائب المتن الشمالي موريس الجميّل في 10 تشرين الأول 1970. بعد سبعة أيام دُعيت الهيئات الناخبة لانتخاب خلف له. ورغم الاتصالات الكثيرة التي أجريت لترك المقعد لآل الجميّل، اختارت القوى السياسية المتنية مواجهة خيار تزكية الرئيس أمين الجميّل. واتجه المتنيون بعد 70 يوماً إلى صناديق الاقتراع. وفاز الجميّل بعد حصوله على 16973 صوتاً، مقابل 12832 صوتاً الى أقرب منافسيه المرشح فؤاد لحود.بعد استشهاد الوزير بيار الجميل في 21 تشرين الثاني الماضي، يبدو وصول الرئيس الجميل إلى الندوة البرلمانية أكثر وعورة، ودونه عقبات عدة، أولها امتناع الرئيس إميل لحود عن دعوة الهيئات الناخبة، وأهمها أن منافسي الجميّل اليوم أكثر قوة بما لا يقاس من فؤاد لحود، رغم إعلان «التيار الوطني الحر» انفتاحه على كل الحلول سواء أفضت إلى تزكية أو توافق أو تنافس ديموقراطي، وما يتردد عن ترجيح الاتفاق على مرشح توافقي.
ويجزم الباحثون والاختصاصيون أن التيار وحلفاءه قادرون على حسم المعركة إذا ما تعذر التوافق. ويستعرض رئيس «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات» عبدو سعد نقاطاً عدة يمكن تسجيلها عشية المعركة الانتخابية في الدائرة الأكبر لجهة عدد الناخبين المسيحيين في لبنان، والأكثر تنوعاً للقوى السياسية، والأكثر تسييساً.
يشير سعد بداية إلى حصول تغيير في المزاج المتني بعد اغتيال الوزير الجميل، «لكن الأكيد أن الأمور لم تنقلب رأساً على عقب، وحماسة حلفاء التيار للمعركة ستجعله يحسمها بفارق آلاف الأصوات. أما قرارهم عدم المشاركة، والوقوف على الحياد، فسيجعل المعركة حقيقية والتنافس على أشده بين التيار منفرداً من جهة وكل قوى 14 آذار من جهة ثانية. وعندها لن يتقدم أحد الطرفين على الآخر بأكثر من بضع مئات من الأصوات. وهنا ثمة دور مهم لشخصية المرشح العوني الذي ينبغي أن يضيف إلى قوة التيار الطبيعية».
وينفي سعد وجود تداخل بين قواعد الرئيسين الجميّل وميشال المر، مستشهداً بأن ماكينة المر سربت آلاف الأصوات إلى كل من غسان الأشقر وسركيس سركيس (نال الأشقر في بتغرين معقل المر نحو 950 صوتاً، وسركيس نحو 500 صوت)، في مقابل تجيير الاثنين أصواتهما إلى المرشح أغوب بقرادونيان والمر. ويشير إلى «استحالة القدرة العلمية على لحظ أي تسريب جدي للأصوات من المر لمصلحة الجميّل رغم الشائعات الكثيرة في هذا الشأن». ويوضح أن ماكينة المر جيّرت في انتخابات 2005 نحو 13 ألف صوت إلى الائحة مجتمعة، فيما جيّر الطاشناق نحو ثمانية آلاف صوت، أما التيار الوطني الحر فجيّر وحده لكل أعضاء اللائحة نحو 28 ألفاً، بينما حصل النائب السابق نسيب لحود، أول الخاسرين، على نحو 27 ألفاً. وهذا ما يثبت أن التيار كان قادراً على ضمان فوز كل مرشحيه في المتن، حتى من دون التحالف مع المر والطاشناق». ويؤكد سعد أن المر والطاشناق «لن يمررا أية أصوات للجميّل من دون الاتفاق مع التيار، لأن ذلك سينكشف لحظة بدء الفرز».
ويلفت سعد إلى التراجع في نسب الأصوات التي حصل عليها الشهيد بيار الجميّل ونسيب لحود عام 2005. فالجميل الذي حصل على 49,8% من أصوات المقترعين عام 2000 لم يحصل على أكثر من 35,4%، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النائب السابق نسيب لحود، الذي حصل على 46,2% في انتخابات 2000 مقابل 33,2% السنة الماضية. ويعزو سعد هذا التراجع إلى «انحسار القوة الاستقطابيّة لدى الجميّل ولحود من جانب شرائح انتخابية غير منتمية منحتهما أصواتها عام 2000، وعدلت عن ذلك لمصلحة العماد عون عام 2005». ويُلاحظ أن الجميل حاز عام 2000 63% من أصوات المقترعين الموارنة، وتراجعت هذه النسبة إلى 50% في 2005، وهو تراجع ذو دلالات كثيرة».
ويتوقع سعد أن تتخطى نسبة المشاركة في فرعيّة المتن الـ80 في المئة من نسبتها في دورة 2005، وخصوصاً إذا حشد حلفاء التيار مناصريهم جدياً، علماً بأن نسبة المشاركة في الانتخابات الفرعية بلغت حدها الأقصى لبنانياً في فرعية المتن عام 2002، حين تخطت نسبة الـ95% من عدد المقترعين عام 2000.
وختاماً، يُسجل سعد أن تفوق الموالاة، في انتخابات 2005 كان في عدد قليل من القرى الصغيرة، بلغ مجموع مقترعيها 6121 ناخباً من أصل 82 ألفاً اقترعوا في المتن. ونجحت الموالاة بالتقدم على العماد عون وحلفائه في 15 بلدة مقابل تخلفها في 97. وهو أمر، بحسب المطلعين، يحتاج تغيره إلى أكثر من تعاطف مع عائلة الشهيد الجميل.
غ س