أنطوان سعد
تشبه حكاية بكركي مع السياسيين، وبخاصة المسيحيين منهم، حكاية جحا وولده والحمار التي تعطي أمثولة مفادها أنه لا يمكن إرضاء كل الناس. فمنهم من انتقد ركوب جحا من دون ولده على الحمار، وآخرون انتقدوا امتطاء الولد من دون أبيه، وانتقد بعض آخر ركوب الاثنين على ظهر الحمار، وبعض أخير سير جحا وابنه على قدميهما من دون امتطاء الدابة! أما خلفيات انتقاد السياسيين لبكركي فيمكن تلخيصها برغبة كل طرف سياسي، مسيحي بالدرجة الأولى، في أن تتبنى البطريركية المارونية أفكاره ومطالبه، ووجهة نظره، وخصوماته. فإذا تقاطعت رؤيتهم معها، يعلنون أنهم مع بكركي، وإذا تعارضت ينتقدونها. ولكن لا بد من تسجيل فارق غير بسيط، هو أن الفريق المسيحي الموالي لا ينتقد البطريركية المارونية علناً، وعلى صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفزة، فيما تبرع الفريق المسيحي المعارض بكيل أفظع الانتقادات لها إن كانت لها مواقف لا تتناسب مع ما يقوم به.
هذه مرة جديدة حال البطريركية المارونية التي تواجه اليوم انتقادات بعيدة عن الأضواء من القوى المسيحية المنضوية في تجمع الرابع عشر من آذار على التحرك الذي بدأته لجنة مؤلفة من المطارنة الموارنة: سمير مظلوم، ويوسف بشارة، وبولس مطر في الأسبوع الماضي. وتدور في أوساط مسيحيي الأكثرية أحاديث عن عدم صوابية هذا التحرك بحجة «خروج بكركي من موقعها من دون ضمانات لنجاح مبادرتها»، و«عمومية نص ميثاق الشرف» المقترح، و«معيار تحديد هوية الفاعليات التي قام المطارنة الثلاثة بزياراتهم»، و«تجاهل جوهر الموضوع السياسي الذي يشكل لب الخلاف بين السلطة والمعارضة في لبنان». أما الطريف فهو أن تأتي الاعتراضات على المبادرة البطريركية، وخصوصاً من جهة لم تكن مدرجة أصلاً على لائحة زيارات وفد الأساقفة الموارنة في الجولة الأولى، وقد أُدرجت في النهاية بعد مراجعات منها لدى المطارنة الثلاثة حتى لا تشعر بأن ثمة انتقاصاً لدورها ووجودها على ما حاولت أن تصوره في الاتصالات الليلية التي أجرتها معهم.
وفي اعتقاد أوساط مراقبة قريبة من الصرح البطريركي الماروني أن السبب الحقيقي لاعتراض مسيحيي السلطة على المبادرة البطريركية مزدوج: من جهة، استاءت الأكثرية جراء انهماك بكركي بمبادرة مستقلة لها أولويات مختلفة عن أولوياتها، فرأت في المبادرة تخلياً عنها في معركة البقاء التي تخوضها ضد المعارضة، ومن جهة ثانية، يبدو أن الفريق المسيحي الموالي غير مستعد للقبول بأي إطار أو ورقة أو صورة تجمعه مع الفريق المسيحي المعارض، لاعتباره أن من شأن ذلك أن «يعيد تعويم» هذا الفريق مسيحياً بعدما نال من «أرثوذكسيته» تحالفه السافر مع حزب الله وسائر حلفاء سوريا. وفي هذا الإطار، يمكن فهم تصرف القيادات المسيحية مع العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية غداة اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل وإجهاض مبادرة عقد لقاء مسيحي في بكركي برئاسة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير التي تحرك في سبيل تحقيقها النائبان في «تكتل التغيير والإصلاح» سليم سلهب وفريد الخازن. وبذلك تعود مسؤولية انتقاد بكركي إلى فريق السلطة بعدما كان العماد عون وتياره والوزير السابق سليمان فرنجية قد توليا هذه المهمة في الفترة التي تلت حرب تموز. ففي الفترة التي سبقت هذه الحرب، كان فريق السلطة، المسيحي وغير المسيحي، يعرب عن استيائه من مواقف البطريرك الرافضة لإسقاط رئيس الجمهورية إميل لحود في الشارع ولمقاطعة جلسات مجلس الوزراء حين يترأسها لحود ولمطالبته بتحقيق المشاركة العادلة لجميع اللبنانيين في المؤسسات الدستورية والإدارة العامة و«الاستئثار طائفة بها».
وما تجدر الإشارة إليه فهو أن تحرك الأساقفة الموارنة لا يعني أبداً تخلياً من بكركي عن كل مواقفها المتعلقة بالتظاهرات والاعتصامات في وسط بيروت وبكل ما يهدد، من وجهة نظرها، السلم الأهلي واستقرار لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً، لا بل هو يصب في صلب مهمتها الرامية، عبر وضع ميثاق الشرف، إلى تهدئة الخواطر وامتصاص الاحتقان المستفحل بين الموالين والمعارضين بدءاً من الساحة المسيحية التي لبكركي تجاهها مسؤولية روحية ومعنوية. وإذا نجحت خطوة ميثاق الشرف بين القيادات المسيحية يمكن إذّاك محاولة تعميمها على الفرقاء كافة، كما يمكن تجاوزها إلى المبادرة باتجاه التقريب في وجهات النظر على المستوى السياسي العام والخروج من المأزق، بالطبع إذا رأى الطرفان المتنازعان فائدة من ذلك.