نقولا ناصيف
ستكون حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والغالبية النيابية على موعد مع مؤتمر باريس 3 لإنعاش الاقتصاد اللبناني في 25 من هذا الشهر. وستكون المعارضة على موعد مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ذكرى عاشوراء نهاية هذا الشهر. مغزى ذلك أن فريقي النزاع مستمران في مواجهة سياسية بلا آفاق حلول، ومن دون أن يبدوا مستعدين للدخول، في الوقت الحاضر على الأقل، في تفاوض جديد في ظل المعطيات الحالية التي تتطلب ربما مفاجأة كبيرة تحمل أحدهما على تقديم تنازل مهم (وغير محسوب) للآخر.
والواقع أن كلاً من الغالبية والمعارضة بات أكثر رسوخاً في تشبّثه بشروطه تبعاً لمعلومات يملكها وتحمله على الاعتقاد بصواب خياره ومجازفته في مواجهة الآخر. وتعبّر عن حال التجاذب هذه المؤشرات الآتية:
1 ــــ أن حكومة السنيورة قررت المضي في الاشتباك السياسي مع المعارضة، كي تبرهن لها أن في وسعها أن تحكم وتتخذ قرارات قابلة للتنفيذ وأن تفرض على كل خصومها أمراً واقعاً، في موازاة تحرّك دبلوماسي عربي ودولي ناجح. وتصب في هذا المنحى سلسلة القرارات والتعيينات التي اتخذها مجلس الوزراء في جلسة الجمعة الفائت، واستمراره في تجاهل موقع رئيس الجمهورية ولامبالاته حيال عدم اجتماع مجلس النواب. ومع إدراك الحكومة وقع المأزق الذي يسببه عدم التئام مجلس النواب جراء الخلاف الناشب بين الحكومة والغالبية من جهة والرئيس نبيه بري من جهة أخرى، وبسبب تعذّر فتح عقد استثنائي للمجلس لا يمهره الرئيس إميل لحود بتوقيعه، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع في الغالبية تقلل من وطأة هذا المأزق بالقول تارة إن تجميد إقرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا يعدو كونه «مسألة وقت» ما دامت هذه انبثقت من قرارات مجلس الأمن وتحظى بتبني الشرعية الدولية، وبالقول طوراً إن تعطيل إقرار الإصلاحات الاقتصادية التي ينص عليها المشروع الاقتصادي والاجتماعي للحكومة يفاقم الأزمة الاجتماعية.
2 ــــ في ضوء ما بلغها عن نتائج زيارة وفد حزب الله للسعودية في 26 كانون الأول الفائت، تشير الغالبية إلى أن الملك عبد الله لفت الوفد الزائر إلى أن المحكمة الدولية «خط أحمر»، وهو يرفض أي محاولة لتعطيلها، داعياً ضيفيه نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم والوزير محمد فنيش إلى التجاوب مع مبادرة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وبنود الحل التي اقترحها. وبحسب ما تلاحظه أوساط الغالبية، فإن ثمة تطابقاً في الرأي بين العاهل السعودي وحكومة السنيورة في أولوية المحكمة الدولية، على أن يصار من ثم إلى البحث في تأليف حكومة وحدة وطنية. والمقصود، تضيف الأوساط نفسها، تعزيز وجهة نظر قوى 14 آذار والأخذ باقتراح السنيورة للحل الذي أحيط به علماً مسؤولو السعودية ومصر وسفيرا هذين البلدين، إضافة إلى موسى، وهو توسيع الحكومة الحالية. أضف أن المملكة أنبأت وفد حزب الله، على ما تروي أوساط الغالبية، أن لا بديل من مبادرة موسى، في نفي قاطع لأي دور سعودي أو مصري يتجاوز ما يقوم به السفيران في بيروت عبد العزيز خوجة وحسين ضرار، وهو حضّ الأفرقاء جميعاً على معاودة الحوار والتوصل إلى اتفاق وتفادي فتنة مذهبية سنية ــــ شيعية.
وفي تقدير الأوساط ذاتها، فإن تنازلين رئيسيين قدمتهما قوى 14 آذار في معرض دعمها مبادرة الجامعة العربية، هما سقف ما في وسعها التفاوض حوله: أولهما هو الموافقة على تزامن بين إقرار المحكمة الدولية وتأليف الحكومة الجديدة، بحيث تتوسّع هذه فور تصويت البرلمان على تلك طمأنة للغالبية إلى إخراج مشروع المحكمة من المساومة، وثانيهما التخلي عن الثلثين المقررين في الحكومة الجديدة بدون تمكين المعارضة من الحصول على الثلث المعطل.
3 ــــ رغم ما يشيعه طرفا النزاع عن ترحيبهما بعودة الأمين العام للجامعة العربية إلى بيروت لاستئناف وساطته حيث توقفت في 21 كانون الأول الماضي، فإن بتّ هذه العودة لا يقتصر عليهما. وتتحدّث أوساط الغالبية، طبقاً لما استقته من معلومات دبلوماسية عربية معنية في العاصمة اللبنانية، عن أنه لا عودة لموسى قبل التحقق من وجود «بيئة مؤاتية» لنجاح خطته للحل. فالرجل، في نطاق وساطته، زار بيروت ثلاث مرات في أقل من شهرين والتقى الرؤساء الثلاثة وأركان الغالبية والمعارضة، وبعضهم أكثر من ثلاث مرات أحياناً (ما خلا نصر الله إذ اجتمع به مرة واحدة في الزيارة الثانية). واكتفى في الزيارة الأولى باستطلاع الآراء، وفي الثانية برسم ملامح الحل، وخرج من الثالثة بمشروع تسوية لا يزال بالنسبة إليه ــــ استناداً إلى المعلومات الدبلوماسية نفسها ــــ صالحاً للاتفاق عليه. تالياً لا يبدو موسى في وارد التحرّك المكوكي مجدداً وعبثاً من غير اقتران ذلك بحماسة فريق الاشتباك لتقديم تنازلات سياسية متبادلة تنسجم وآلية الحل الذي اقترحه المسؤول العربي الذي يلح أيضاً على ضرورة تعاون العامل الخارجي المؤثر في الوضع اللبناني مع مهمته، أي سوريا وإيران والولايات المتحدة، علماً بأنه قصد دمشق بعد زيارته الثالثة للبنان، وزار كذلك واشنطن. وبحسب ما ترويه أوساط الغالبية، أجرى اتصالاً هاتفياً بوزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي طالباً تأييد جهوده، ولكن من غير أن يزور الجمهورية الإسلامية. وترمي تحركاته هذه إلى تخفيف وطأة التدخّل الخارجي عن قدرة الأفرقاء اللبنانيين على التوصل إلى اتفاق داخلي.
4 ــــ نقيضاً لما تقوله أوساط الغالبية، تعتقد المعارضة أنها لم تفقد زمام المبادرة بمعزل عن التباين الحاصل بين بعض أفرقائها من آلية التصعيد وتوقيته وعجلته. ووفق مسؤول بارز في هذا الفريق، فإن إحياء ذكرى عاشوراء سيعبّر مرة أخرى ــــ كالعادة تحت عباءة الأمين العام لحزب الله ــــ عن تضامن قوى المعارضة وإصرارها على خطة إسقاط حكومة السنيورة وتأليف حكومة وحدة وطنية تعهد إليها سلة حلول من بينها المحكمة الدولية.
وهذا ما يرجّح أن يعيد نصر الله تأكيده في الذكرى أمام حشود ضخمة، عبر رسالتين متلازمتين: تأكيد سيطرته على الشارع، وإبلاغ الفريق الآخر أن التريّث والتروي لا يُنبئان حتماً بانتهاء المواجهة.