strong>عامر ملاعبفي غياب وزير البيئة، وبدون استشارة المجلس الوطني للمقالع والكسارات، أصدر وزير الداخلية والبلديات حسن السبع قراراً حمل الرقم 100 يقضي بتجديد المهل الإدارية للمقالع والكسارات والمرامل لمدة ستة اشهر اضافية تبدأ مطلع هذا العام. القرار استند إلى إجازة الحكومة في اجتماعها الذي عقد بتاريخ 4/1/2007.
وتمثّل هذه الخطوة انتهاكاً صارخاً للمرسوم رقم 16456 (تعديل المرسوم رقم 8803 تاريخ 4/10/2002 وتعديلاته ــ تنظيم المقالع والكسارات) وتم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 9/3/2006، وبدئ العمل به، الذي حصر ملف الرخص للمقالع بوزارة البيئة بعد استشارة ملزمة للمجلس الوطني للمقالع والكسارات. وبموجب هذا المرسوم يمنع منعاً باتاً الاستثمار في المواقع الطبيعية والمحميات والمنتزهات الإقليمية والوطنية ومجاري الانهر، كما نظّم مناطق الاستثمارات وطريقة استعمال المتفجرات وتخزينها وفرض وجود عقد اتفاق وإشراف جيولوجي أو مهندس لضمان حسن أعمال الاستثمار وإعادة التأهيل.
وتعود جذور مشكلة المقالع والكسارات إلى مرحلة فوضى الحرب وما بعدها، وقد بلغ عددها عام 1995 نحو 464 مقلعاً للحجارة و246 مرملة غير مرخصة. وتوضح الدراسة الصادرة عن حزب البيئة اللبناني أن «العمل العشوائي وغير القانوني لهذا القطاع أدى إلى تشويه ما يتجاوز 3000 هكتار من الاراضي، معظمها حرجية خضراء، وغير قابلة للاصلاح او إعادة التأهيل. وقد تسببت بتدمير الموائل النباتية والطبيعية، سواء اكان مباشرة عبر اقتلاع الصخور والاتربة والرمول، او غير مباشرة عبر انتشار الغبار الذي يتسبب باختناق الاشجار والنباتات وخسائر هائلة في التنوع البيولوجي، اضافة الى ما تسببت به التفجيرات من تشقق في المنازل وخزانات المياه، وتصدع في طبقات الارض وزحل اماكن سكنية وزراعية، ومشاكل الضجيج وتلوث الهواء والمياه الجوفية والسطحية وتشويه المناظر، وتخريب شبكات الطرقات وانخفاض قيمة العقارات المجاورة».
ولقد خسرت خزينة الدولة، من الرسوم التي كان يفترض ان تجبى في الـ 15 عاماً الفائتة، ما يقارب مليارين ونصف المليار دولار اميركي، والتي كان يمكن تحصيلها لو كان هذا القطاع يعمل في شكل قانوني ومنظم، واستفاد من الارباح الصافية التي تجاوزت ثلاثة مليارات دولار اميركي، قلة قليلة محظية ومدعومة، إذ يقدر متوسط ارباح الكسارة المتوسطة الحجم بـ70 الف دولار اميركي يومياً، أي أن كل يوم يمر من دون تنظيم هذا الملف تخسر الخزينة الملايين، إذا ما قيست بالأرباح المادية المباشرة، وقد بلغت قيمة التدهور البيئي في اسعار الاراضي والعقارات المحيطة بهذه المواقع جراء تشويه المنظر فقط، ما يقارب مئة مليون دولار اميركي.
أما القيمة الحقيقية للجبال كما عرّفتها منظمة (الفاو) «بصفتها مصدراً حيوياً للتنوع الزراعي البيولوجي وتنوع الحياة البرية». ودعت المنظمة إلى قيام تحالف عالمي شامل لحماية الجبال في العالم، وسمّت يوم 11 كانون الاول من كل عام «يوم الجبال العالمي». وتوضح المنظمة، أن «استغلال الإنسان المكثف للموارد يجعل هذا التراث البيولوجي والثقافي الفريد من نوعه عرضة لخطر الاندثار».
كلام الفاو بالطبع لا ينطبق على واقع لبنان حيث يناضل قسم من البيئيين والمهتمين للحفاظ على هذه الثروة وحمايتها في وجه غيلان السلطة، وهم أقوى من القوانين، وأكثر قدرة من المجتمع المحلي والمدني. والدليل الساطع على الواقع ما حدث عندما ربح بعض المستثمرين أحكاماً قضائية تجاه الدولة (ممثلة ببعض الادارات والوزارات)، تلزم الدولة دفع تعويضات تقارب ربع مليار دولار أميركي، إضافة إلى هذه الخسائر الهائلة في المال العام وموارد الطبيعة، فيما المنطق الطبيعي للأمور يوجب أن يدفع هؤلاء تعويضات تفوق ذلك بكثير لمصلحة خزينة الدولة، إذ إن المستثمر قد استغل المال العام، وهو ثروة لكل الشعب اللبناني وللأجيال القادمة، يجب الحفاظ عليها مع مراعاة وتنظيم استغلالها، وإيجاد البدائل العلمية من قبيل الاستفادة من الردميات وعدم رميها في البحر، وايجاد المناطق البديلة مثل سلسلة جبال لبنان الشرقية.