الجنوب ـــ كامل جابر وآمال خليل
إنه ميلوش شتروغر الآتي من «مونتينيغرو» في يوغوسلافيا لينطق باسم قوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان «إلى أجل غير مسمّى، وليساهم في مهمة معقّدة تسعى في الختام إلى تحقيق أهداف اليونيفيل الإنسانية». إنه الدبلوماسي الدمث الذي يفخر بوجوده في لبنان ولا يحسب نفسه أنه في غير بلده «لأن طباع اللبنانيين» تذكّره بالبيئة التي نشأ فيها

يبدأ الحوار مع ميلوش شتروغر عن قلقه أو عدمه من التحذيرات الصادرة عن قادة لبنانيين، آخرهم قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، من عمليات قد تستهدف قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، فيرد: «جاءت اليونيفيل إلى لبنان بدعوة من الحكومة اللبنانية. نحن في ضيافة اللبنانيين. الأهداف التي جئنا من أجلها مدعومة من كل الأفرقاء اللبنانيين، وهناك التزام سياسي لوجود اليونيفيل وأهداف هذا الوجود من كل الأفرقاء السياسيين، ونحن نعتمد على هذا الالتزام كشرط أساس لنجاح مهمتنا». ويؤكّد أنّ الشريك الأساسي لليونيفيل هو الجيش اللبناني الذي «نتعاون معه عن قرب ونعمل معاً لتحقيق الوظيفة الأساسية في دعم الجيش اللبناني وتعزيز انتشاره». ويضيف شتروغر إنّ الحكومة اللبنانية مسؤولة عن تأمين حماية قوات الطوارئ الدولية. ولا يخفّف من قيمة التهديدات التي تصدر عن تنظيم القاعدة والظواهري، فيقول «إنّنا نأخذها جدياً بعين الاعتبار. ونقوم باتّخاذ إجراءات أمنية لكن لا نسمح للمخاوف بأن تسيطر على عملنا».
وإذ يعرب عن عدم وجود «مخاوف لليونيفيل من الأطراف اللبنانية»، يؤكد أن العلاقة باللبنانيين تعتمد على الاحترام المتبادل، فـ«بعد وقف الأعمال العدائية، صارت عندنا علاقة جيدة بمختلف الأفرقاء اللبنانيين الذين لا يتدخلون بمهمات اليونيفيل، ولم يقع أي حادث يشير إلى أن أحداً يمنع تحقيق أهداف اليونيفيل في لبنان. حصلت بعض حوادث سوء التفاهم بين المدنيين وبعض جنود اليونيفيل، ولا سيما في بداية انتشارهم، بسبب بعض القلق والالتباس، لكننا وضعنا في أولوياتنا كيفية محو آثار العدوان وتأمين الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جنوب لبنان. أمّا الهدف اليوم فينحو باتجاه بناء علاقة ثقة بالناس في قراهم من خلال شرح أهداف اليونيفيل وعقد اجتماعات مكثفة مع فاعليات ومختارين وبلديات. وفي هذا المجال، صارت قوات الطوارئ على تماس أكثر مع الناس وتنظر عن قرب إلى علاقتها مع الأهالي وتساعدهم فعلاً من خلال تأمين الخدمات الإنسانية والطبية وإزالة الألغام وإصلاح بعض الطرقات وتأمين البنى التحتية. في مكان ما صرنا جزءاً من الحياة في الجنوب، سنعيش معاً ونأخذ بعين الاعتبار الحمل الكبير على أبناء الجنوب».
ولكن هل نفذت اليونفيل مختلف المهمات التي جاءت من أجلها؟ وهل من عقبات تعترضها؟ يجيب شتروغر «إن تحقيق أهداف اليونيفيل يعتمد على تعاون جميع الأفرقاء السياسين. حتى الآن نرى أننا حققنا الكثير من أهدافنا منذ وقف إطلاق النار وحتى اليوم. فقد اكتمل الانسحاب تقريباً، ونأمل أن يتم قريباً من المساحة الباقية من قرية الغجر. وقد انتشر الجيش اللبناني في مواقع مهمة ويؤدّي دوراً فاعلاً. إنّ وجود الجيش في الجنوب من أهم الإنجازات حتى الآن، وهو بمساعدة قوات الطوارئ يتأكد من عدم وجود مسلّحين».
وعن الاتهامات التي يوجّهها بعض القادة الإسرائيليين إلى قوات اليونيفيل، يقول: «لا أعلّق على ما يقوله الإسرائيليّون. أنا أتحدّث عن موقف اليونيفيل، وتأمينها احترام الخط الأزرق، باستثناء الخروق الجوية الإسرائيلية. نحن نرى أنّ هذه الخروق هي للأراضي اللبنانية وللقرار 1701، واليونيفيل تقوم بتسجيلها جميعها، وتقدّم احتجاجات لدى الإسرائيليين وتطلب إليهم احترام القرار 1701 وإيقاف كل الخروق. كما نقوم يومياً بإرسال تقارير إلى أعضاء مجلس الأمن نشير فيها إلى كل الخروق الإسرائيلية، وهناك نشاط سياسي لوقف هذه الانتهاكات».
وبشأن مسألة طائرات الاستطلاع الفرنسية، يعلّق شتروغر قائلاً إنّ «اليونفيل لا طائرات لديها، ولا يعنيني ما يقال خارج إطار قوات الطوارئ الدولية. كل الأسلحة التي نستعملها يوافَق عليها بعد نقاش مع مركز اليونيفيل في نيويورك، وليس مع قوات الطوارئ هنا. ومن هناك يتقرر ما سيأتي إلى لبنان من سلاح. ويبقى الأهمّ أنّ لا قرار يتّخذ في هذا المجال من دون موافقة الحكومة اللبنانية».
لكن كيف تتصرّف اليونيفيل إزاء التجاذب السياسي الحاصل في لبنان، وخصوصاً بشأن شرعية الحكومة اللبنانية؟ يجيب شتروغر إنّ «من أولويات اليونيفيل ألا تتدخّل في الشأن الداخلي اللبناني السياسي. أهدافها واضحة جداً، وهي التي وافقت عليها مختلف الأطراف؛ ومضمون القرار 1701 يتوافق من النقاط السبع التي أقرتها الحكومة اللبنانية في 27 تموز 2006؛ وكانت باتفاق الجميع وكل أعضاء الحكومة اللبنانية. نحن نعتمد على أن جميع الأفرقاء ما زالوا ملتزمين القرارات التي نشأت، ما يساعدنا ويعطينا القدرة على المتابعة لتحقيق أهداف هذا القرار. لم يظهر أي دليل أو أي سبب لتغيير الأهداف، والدور الأساس عندنا للجيش اللبناني لأنه هو الموجود لتطبيق القرار على الأرض بدعم قوات الطوارئ الدولية».
وعن مخاوف بعض الأطراف اللبنانية من وجود «مندسّين» في اليونيفيل كانوا سابقاً من عناصر الميليشيات المتعاونة مع إسرائيل، يقول: «يشترط بالمتقدّمين للعمل مع اليونيفيل، أن يقدّموا سجلاً عدلياً. ونحن نعمل مع السلطات اللبنانية لنتأكد من عدم وجود عناصر في اليونيفيل غير مؤهلة لأن تكون من قوات الطوارئ الدولية».
وفي إجابة عن سؤال بشأن تقويمه لما حصل في بلدة زوطر، رأى شتروغر أنّ «ما حصل في زوطر ضُخّم إعلامياً. فالواقع هو أن اليونيفيل تعمل فقط في جنوب الليطاني، ولا وجود لها خارج هذه المنطقة. لكنّنا نستخدم الطرقات لنقل المعدات والبضائع الآتية من ناحية الشمال، الآتية من مرفأ بيروت أو المطار. لذا، قامت حافلتان من القوة الإسبانية بدرس الطريق قرب زوطر لمعرفة ما إذا كانت تحتمل نقل معدات ثقيلة. الواضح أن قسماً من الناس، نحو خمسين فرداً، لم يتفهموا ما كان يقوم به الجنود الإسبان. والجيش اللبناني، على أي حال، على علم بما يقوم به جنود الطوارئ، ونعمل بكثير من الشفافية».
وحول طلب الأمين العام لحزب الله من قوات اليونيفيل التزام المهمات المطلوبة منها، قال شتروغر: «المرجع الأساس هو مجلس الأمن. هو من يقرّر ما تفعله اليونيفيل. والقرار 1701 أعطى صلاحيات لليونيفيل للقيام بمهماتها من أجل تنفيذ شروط القرار. نحن نلتزم البقاء ضمن نطاق صلاحيات القرار، ولا يمكن تغيير قرار مجلس الأمن تحت أي ظرف؛ لذلك لا تساؤل عن هذا الموضوع».
وبشأن التهجم الإسرائيلي على قائد القوات الدولية في جنوب لبنان الجنرال آلان بلّيغريني، والترحيب بالقائد الجديد الإيطالي الذي سيتعاون «حتماً» مع إسرائيل، يقول شتروغر: «الجنرال بلّيغريني يتمّ بعد أسبوعين ثلاث سنوات من وجوده كقائد للقوات الدولية. كانت مهمته لسنتين وجُدّدت له سنة ثالثة من الأمم المتحدة بسبب قيادته المميزة والحكيمة. وجود اليونيفيل ليس لإرضاء أيّ كان. نحن هنا لتطبيق أهدافنا بطريقة شفافة وفعالة وغير مجتزأة، وتعتمد مهمّاتنا في النجاح على رأي الأمين العام ومجلس الأمن. مركز القائد مهم جداً، لكن القرارات الأساسية بيد الأمين العام ومجلس الأمن، ومهمة القائد التطبيق العملي للقرارات على الأرض».
أما في موضوع قرية الغجر، فيؤكد شتروغر «إن إسرائيل ملزمة الانسحاب من جميع الأراضي اللبنانية بما فيها الجزء الشمالي من البلدة»، حاسماً بأن «لا مساومة على ضرورة الانسحاب منها، ومن الضروري الأخذ بعين الاعتبار موقف السكان في الغجر». وحتّى إيجاد حل دائم للمشكلة في القريب العاجل، رأى شتروغر «أنه يجب اتخاذ إجراءات أمنية مؤقتة على الأرض تراعي المعطيات الأساسية الموجودة، وخصوصاً أن القسم الشمالي أراض لبنانية على الإسرائيليين الانسحاب منها».
وانطلاقاً من هدف قوات اليونيفيل الحثيث لبناء الثقة والمودة مع الجنوبيين، يسعى الناطق باسمها لتبرير جملة من التحركات والتجاوزات التي تثير استفزاز وشكوك الأهالي. فبالنسبة إلى الدوريات العسكرية المكثّفة التي تجوب بعض القرى الجنوبية في أوقات متأخرة أحياناً، رأى شتروغر «أن قيادة اليونيفيل تحرص على تسيير دورياتها من دون إزعاج الناس، حتى إننا قررنا التوقف عن تسيير دوريات ليلية». أما سبب قيام بعض العناصر بمسح الأراضي والأودية في بعض القرى، فردّه «إلى ضرورة تأمين مناطق حماية لمقرّات الطوارئ، علماً بأنها مهمة على الحكومة اللبنانية القيام بها».