البقاع ــ رامح حمية
يخالجك للوهلة الأولى، عند سماعك إطلاق عيارات نارية بشكل متقطع حيناً أو كثيف ومتواصل حيناً آخر، شعور بأن إنزالاً إسرائيلياً ينفّذ في بلدتك أو أن اشتباكاً مسلحاً يحصل من حولك، لكنك تفاجأ بأن جارك يحتفل إما «بطهور» ابنه أو أنه اشترى بندقية حربية يعمل على تجربتها. وقد درجت عادة إطلاق النار أخيراً بشكل يلحظ معه المواطن كثافة إطلاق الأعيرة النارية، بحجج مختلفة، كالاحتفاء بطلّة الرئيس أو الزعيم الفلاني على شاشات التلفزة، أو الاحتفال بالنجاح، أو غيرها من الحجج... ورغم تعدد الأسباب، فالحالة واحدةمما لا شكّ فيه أن ظاهرة إطلاق النار في المناسبات، بالرغم من مخاطرها ومحاذيرها في الأماكن الآهلة، باتت من المسلمات التي يؤمن بها مجتمعنا، والتي لا يمكنه التخلي عنها، لكونها دخلت في صميم العادات والتقاليد اللبنانية المتوارثة من أيام القبضايات والثوار ضد الاستعمار والانتداب، وصولاً إلى الحرب الأهلية وامتداداً حتى أيامنا هذه.
العادات القاتلة
«أبو أحمد» ابن الثمانين عاماً يروي أن حمل السلاح كان حكراً على الثوار والقبضايات، وأن إطلاق النار كان يُسمع عند تنفيذهم أحد الكمائن بحق جنود الاستعمار العثماني أو الانتداب الفرنسي أو خلال أفراح البلدة وأتراحها، من دون أن تتعداها إلى مناسبات أخرى، كالأعياد والنجاح في الشهادات الرسمية، وعودة الحجاج أو حتى مضايقة اسراب الطيور المهاجرة. وقد رأى أن لهذه الأمور مخاطرها الكبيرة، فهي تحمل بين ثناياها الإزعاج والإخلال بالأمن والعبث بأرواح الناس وتعريضهم للموت. يقول أبو أحمد إن إحدى المناسبات في بلدة بدنايل شهدت حادثاً مأساوياً تمثل بمقتل احد الفتية (12 سنة)، تماماً كما حصل في إحدى قرى غربي بعلبك أثناء تأدية مراسم دفن أحد الأشخاص، حيث أطلقت النار حزناً على الفقيد، ما أدى إلى مقتل شابين في مقتبل العمر.
وأمام هذه الحوادث ما زلنا نشاهد يومياً في مناسباتنا، وما أكثرها، شباناً يمارسون «هوايتهم المفضلة» بإطلاق النار في الهواء ضاربين عرض الحائط كل المحاذير الاجتماعية والقانونية.
«الوشاية» بدلاً من «الاستقصاء»
ولما كان قانون الأسلحة والذخائر رقم 1959/137 قد أشار في مادتيه 72 و75 إلى أنه «يعاقَب كل من أقدم على إطلاق النار في الأماكن الآهلة أو في حشد من الناس، من سلاح حربي مرخّص أو غير مرخّص به، بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات»، نجد أن القوى الأمنية المولجة تطبيق القانون تقف حائرة أمام هذه المخالفات. في هذا الصدد، يشير مصدر أمني في غربي بعلبك إلى «أن إطلاق النار من الأسلحة الحربية في بعض المناسبات، لا يمكن حصرها وتحديدها ومعرفة الفاعل، وبالتالي لا يمكن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة والكافية».
ويفيد المصدر الامني بـ«أن عمل القوى الأمنية يعتمد إما على الجرم المشهود لإطلاق النار ومعرفة الفاعل، فيتم عندها إلقاء القبض عليه، أو «الوشاية» باسم الفاعل، وعندها يتم تنظيم بلاغ بحث وتحر بحقه تمهيداً لإلقاء القبض عليه واحالته على القضاء المختص لإجراء المقتضى».
ويأتي هذا التصريح بعد أن أصدرت مديرية قوى الأمن الداخلي دراسات إحصائية عن الواقع الجنائي في عام 2006، تتضمن جدولاً بعدد الموقوفين في كل الجنح والجنايات، تظهر تدني عدد الموقوفين على مدار الأشهر، إذ وصل عددهم إلى 1227 موقوفاً في شهر كانون الأول.