باريس ــ بسّام الطيارة
يتفق المراقبون على أن من شبه المستحيل أن يحصل في الملف اللبناني ما حصل في الملف الإيراني من «تباين» بين الإليزيه والخارجية الفرنسية. فالرئيس جاك شيراك يشرف شخصياً على كل شاردة وواردة تتعلق بمؤتمر «باريس ٣»، وتعكف دوائر القصر الجمهوري على التحضير للمؤتمر الذي «سيرأس شيراك جلساته ويديرها شخصياً» كما أكدت مصادر مسؤولة.
وحتى الآن لم يخرج إلى العلن أي رقم ولا أي تلميح إلى قيمة المساعدات أو تفاصيل ما سيكون تحت باب المنح والهبات وما سيدرج تحت باب القروض الميسرة أو الطويلة المدى، إلا أن جميع المتابعين يتفقون على أن الرقم الإجمالي الذي سيكون «ركيزة الرافعة الإعلامية» للمؤتمر وما بعده يدور حول خمسة مليارت دولار، وإن اتفق الجميع على أن نسب الهبات من نسب القرض يمكن أن تؤثر بصورة كبيرة على فاعلية المعالجة الاقتصادية للواقع الكارثي للاقتصاد اللبناني.
وبحسب بعض الخبراء الذين بدأوا بالتوافد على العاصمة الفرنسية لمتابعة المؤتمر، فإن أهمية المؤتمر لا تكمن في الأرقام التي ستعلن لأن «المؤتمر سياسي بالدرجة الأولى»، وخصوصاً أن الورقة الإصلاحية التي «عمل على أساسها الخبراء» قبل أسبوعين في باريس هي موضع نقد من قسم من اللبنانيين، وأن الحكومة اللبنانية صرحت أكثر من مرة، وإن بصورة غير مباشرة، بأنها مستعدة للتعامل إيجاباً مع بعض الانتقادات التي ترفعها المعارضة اللبنانية في شأن بعض الإصلاحات المطروحة في الورقة، إذا ما تم أي اتفاق سياسي بشأن الأمور العالقة.
ويتابع هؤلاء متسائلين: «كيف يمكن أن تقدم هبات ومساعدات على أساس ورقة إصلاحية تم التفاوض حولها، في حين يقول مُقَدمها إنه مستعد لإعادة النظر في بعض بنودها؟» . ومن هنا فإن جو الخبراء يلتفت نحو الشق السياسي أكثر من الالتفات نحو الشق المالي والاقتصادي على عكس ما تريد تصريحات القيمين على المؤتمر التلويح به. ويتوقع بعضهم أن تكون النتائج الإعلامية «كبيرة على مستوى الحشد الذي رافق الدعوة إلى المؤتمر ويرافق المتابعة اليومية له» في حين بات من شبه الأكيد أن التدقيق في تفاصيل نتائج المؤتمر سيشير إلى أن معظم النتائج المالية المطلوبة لنهضة الاقتصاد اللبناني «مرتبطة باتفاق سياسي ما زالت تباشيره بعيدة».
ويقول أحد الدبلوماسيين من الذين سيشاركون في المؤتمر إن القرارات المنتظرة «التي باتت شبه معلنة» لن تدخل حيز التنفيذ إلا في حال «توافر أجواء مواتية تؤهل لاستعمالها بصورة راشدة لتأتي بالنتائج المرجوة» قبل أن يستدرك قائلاً «لكن هذا لا يمنع بعض الهبات من الوصول إلى الحكومة لتشكل أوكسيجين لها» قبل أن يتابع: «إن السياسة في لبنان تحصن الاقتصاد لا العكس». ويعطي بعض الدبلوماسيين أمثلة على المعونات التي «أقرت للفلسطينيين والتي تنتظر حكومة الوحدة الوطنية».
ولعل لائحة الدول المتوقع مشاركتها إن دلت على شيء فهي تدل على صحة ربط نتائج المؤتمر بالنتائج السياسية على أرض لبنان. إذ حين سئل الناطق الرسمي في وزارة الخارجية عن الدول العربية المشاركة إلى جانب الدول الغنية والمنظمات الدولية، كان جوابه بأنها دول الخليج الست إضافة إلى مصر والأردن، وجواباً على تعجب بعض الإعلاميين من كون المشاركة العربية مقتصرة على ما بات يعرف بدول «٦+٢» التي «اجتمعت بها كوندوليزا رايس قبل يومين» أكد جان باتيست ماتيي أن «معيار اختيار الدول» لم يأخذ هذا الاجتماع في الاعتبار.
ويقول بعض المراقبين إنه قد يكون مفهوماً دعوة «دول الخليج الغنية التي طالما ساعدت لبنان مالياً» إلا أن دعوة «مصر المعروفة بثقلها السياسي أكثر من ثقلها المالي» يشير إلى أن معيار الدعوات أخذ في الاعتبار «معايير الاعتدال كما تراها وزيرة الخارجية الأميركية» لا معيار المساعدات المالية المحتملة، وفي دعوة الأردن خير دليل على ذلك.