بسام القنطار
أظهرت خلاصة تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي نشر في برلين أول من أمس أنه في حالة عدم اتخاذ لبنان إجراءات سريعة لإزالة الأنقاض فإنه سيواجه مخاطر صحية عامة خطيرة بما في ذلك تلوث مياه الشرب

يقع تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن تقويم الأثر البيئي لحرب تموز 2006، في 184 صفحة باللغة الإنكليزية، ولقد شارك في إعداده 94 خبيراً وباحثاً ومستشاراً ومتطوعاً من فرع تقويم ما بعد النزاعات التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة البيئة اللبنانية ووكالة الطاقة الذرية اللبنانية، إضافة إلى شركات خاصة.
ولقد زار فريق مشترك لبناني ودولي أكثر من 100 من المواقع، وتضمنت الزيارة عملية الدراسة والتحليل والـــــــــجمع. وعمل الفريق لفترة شــــــــــهرين على عمليات مسح دقيقة للعديد من المواقع التي تضررت جراء الحـــــــــــرب، ودراسة عينات من التربة والمياه السطحية والجوفية والغبار والرماد ومياه البحر والرواسب والرخويات مثل المحار في مختبرات متخصصة في السويد وسويسرا والمملكة المتحدة بكلفة فاقت 700 ألف دولار أميركي، منحتها حكومات النـــــــــــــــرويج وسويسرا وألمانيا.
واعتبر التقرير أن «القنابل العنقودية التي لم تنفجر تمثل خطراً كبيراً وخاصة في الجنوب حيث أصبحت مناطق كبيرة من الأراضي الزراعية التي لها أهمية اقتصادية مناطق محظوراً على المزارعين دخولها. ويقول التقرير «أصبحت مناطق رعي ذات قيمة مناطق محظورة ما سيؤدي على الأرجح إلى الرعي الجائر في المناطق التي يمكن دخولها، وتدهور البيئة الطبيعية». وذكر التقرير أن إزالة الألغام من الممكن أن تستغرق ما يصل إلى 15 شهراً.
وأوصى التقرير بإجراء المزيد من التحريات لمعرفة ما إذا كان هناك مواد مشعة في بعض المناطق والعمل على إزالتها. وذكر التقرير «هناك حاجة إلى إجراءات عاجلة لإزالة مثل تلك المواد والتخلص منها بأمان بما في ذلك الرماد والكيماويات المتسربة وسط مخاوف من احتمال أن تمثل خطراً على إمدادات المياه والصحة العامة».
وحثّ المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة اكيم شتاينر دول العالم، بما فيها الدول التي تحضر اجتماعاً في باريس هذا الأسبوع لإعادة إعمار لبنان، على مناقشة المسائل البيئية في محادثاتهم.
وأكد التقرير ان «لبنان يواجه تحديات بيئية خطيرة ومنتشرة على نطاق واسع... فقد أصاب التلوث العديد من المصانع والمجمعات الصناعية التي تعرضت للقصف والحرق، بما فيها محطة الجية للطاقة، وذلك من جراء العناصر السامة والخطرة صحياً».
واعتبر التقرير ان «هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل إزالة هذه العناصر بشكل سليم وآمن، التي تشمل الرماد والمواد الكيماوية المتسربة وذلك وسط مخاوف من أنها قد تمثل تهديداً للموارد المائية وصحة الإنسان. وقد وجد فريق البحث والتحليل ان التعامل مع هذه الكميات الكبيرة من مخلّفات الحرب والتخلص منها، بما فيها نفايات خدمات ومرافق الرعاية الصحية ونفايات المستشفيات، يمثل تحدياً بيئياً كبيراً آخر. ويعتبر الحجم الهائل لهذه النفايات والمخلفات كبيراً بالنسبة إلى مكبات النفايات والمدافن الصحية التابعة للبلدية وأنظمة إدارتها».
وقد حدثت أيضاً أضرار جسيمة لموارد المياه وشبكات الصرف الصحي في لبنان نتيجة العدوان الإسرائيلي. فقبل العدوان، كانت شبكات المياه والصرف الصحي تشهد عمليات تطوير وتحديث واسعة النطاق. وجاء في التقرير ما يلي: «لقد تعرضت هذه الشبكات لأضرار على نطاق واسع خلال الصراع ولهذا فهنالك خطر داهم ينذر بتلوث المياه الجوفية ومخاطر محتملة على صحة الإنسان. وتمثل إدارة المياه العادمة عامل إجهاد وتوتر وضغط بيئي مزمن».
ولكن من الناحية الإيجابية، فإن التقرير يشير الى ان التلوث النفطي الذي أصاب البيئة البحرية قد تم احتواؤه، ويبدو أن مستويات التلوث هي مستويات ساحلية مألوفة عموماً في هذه المنطقة من حوض البحر الأبيض المتوسط. وتمثل هذه أخباراً سارة لقطاعي السياحة والثروة السمكية المهمين اقتصادياً بالنسبة إلى لبنان.
وجاءت النتائج الإيجابية الأخرى التي اكتشفها الفريق، وخصوصاً في ضوء التقارير الإعلامية العديدة ذات الأهمية البالغة، من الدراسات التي أُجريت في بيروت والجنوب لمواقع أصابتها الذخائر والمتفجرات.
ويعطي التقرير صورة شاملة للمشاكل البيـــــــــــــــــئية العالقة التي تواجه لبنان وشعبه. ويحتاج بعض هذه المشاكل الى إجراء علاجي عاجل، مثل المخلّفات والركام الناجمة من الحرب والقنابل العنقودية الموجودة في الأراضي الزراعية والنفايات السامة التي هي نتيجة الأضرار التي أحدثتها القنابل والحرائق في المنشآت والمرافق الصناعية والأضرار الواسعة النطاق التي أصابت أنظمة المياه والصرف الصحي.

محطة الجية للطاقة الحرارية والمرافق الصناعية الأخرى

إثر تسرب 15,000 طن من زيت الوقود في محطة الجية الحرارية، أدت الى تلويث بقعة امتدت على مساحة طولها 150 كيلومتراً من السواحل اللبنانية، بالاضافة الى أجزاء من الساحل السوري. وقام فريق الدراسة والتحليل باختبار عينات من التربة من منطقة تبلغ مساحتها أكثر من خمسة كيلومترات مربعة حول محطة الطاقة واكتشف مستويات مرتفعة من الهايدروكاربونيات العطرية متعددة الحلقات وهي منتجات بترولية لها علاقة بأنواع مختلفة من المخاطر الصحية. وأوصى الفريق بأن يتم إخضاع الناس الذين يعيشون بالقرب من المحطة الى عملية مراقبة على المدى الطويل من أجل رصد أية ظاهرة صحية غير عادية مثل أمراض السرطان ومشاكل القلب.
وقام الفريق أيضاً بزيارة العديد من المرافق والمنشآت الصناعية الأخرى التي تعرض الكثير منها لعمليات قصف مباشرة، ما أدى إلى تدميرها أو إصابتها بأضرار كبيرة أو احتراقها. وشملت هذه المرافق مصنع الأرز للنسيج في منطقة زحلة ومصنع ماليبان للزجاج ولامراتين لصناعة الأغذية وكلاهما يقع في منطقة وادي البقاع. أما «الموقع الساخن» وهو مبعث القلق الرئيسي، فهو منطقة الشويفات الصناعية حيث تعرضت مجموعة من المواقع للقصف وخصوصاً مستودع ترانسمد وشركة لبنان للصناعات الكرتونية ومطعم التويت ومطار لبنان الدولي، ومصنع غبريس للمنظفات في منطقة صور.
وتتشابه التداعيات البيئية للصراع الأخير في لبنان بشكل واسع في العديد من هذه المواقع حيث المسائل البيئية والصحية ترتبط بالرماد والزيوت والمعادن الثقيلة والكيماويات الصناعية والحطام والنفايات الصلبة والصرف الصحي، وجميعها ملوثات سامة وخطرة. وقد تمثل هذه الملوثات مخاطر صحية لعمال التنظيف والمجتمعات المحلية، وفي العديد من المواقع تمثّل مصدراً محتملاً للتسرب الى الموارد المائية وذلك ما لم تُنظّف هذه المواقع من الملوثات بشكل كامل وتام وتُزل الملوثات التي تحتوي عليها.

الفوسفور الأبيض

أكد الخبراء استخدام الفوسفور الأبيض من جانب الاسرائيليين، إلا ان الفريق لم يستطع اكتشاف أي تلوث يعتبر دليلاً على استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب أو أية أسلحة تحتوي على «أية تركيبات لنظائر يورانيوم أخرى». ولكن على رغم ذلك، فقد اكتُشف وجود مستويات عالية من التلوث الإشعاعي في ياطر مرتبطة بأجهزة ذائبة مصدرها طائرة هليكوبتر محطمة، وكذلك وجود إشعاعات في مصنع ماليبان للزجاج في زحلة حيث رُبط بين هذه المستويات ووجود طابوق ذي درجة حرارة عالية يحتوي على عنصر الثوريوم في هذا الموقع.وأوصى التقرير بإجراء عمليات استقصاء وبحث أخرى في الموقعين من أجل ضمان الإزالة التامة للمواد التي تظهر وجود إشعاعات عالية.
وفي الوقت عينه، أدى الصراع الى نشوب حرائق وفقدان أنواع من الأشجار ذات قيمة اقتصادية كبيرة في جنوب لبنان، وهو ما سيعيق برنامج إعادة التشجير الوليد الذي تقوم الحكومة بتنفيذه.

البيئة البحرية

قام فريق الدراسة والتحليل باختبار رسوبيات ومحارات وهي مؤشرات طبيعية إلى وجود التلوث، وذلك في حوالى 30 موقعاً على طول الساحل اللبناني من أجل تقويم آثار التلوث النفطي من الصهاريج المدمرة في محطة الجية للطاقة.
وعلى رغم الحجم الكبير للتسرب ووضوحه على طول الساحل، فقد أظهرت النتائج ان البيئة البحرية قد نجت بشكل ملحوظ من الآثار المهمة على المدى البعيد. فقد اكتُشفت مستويات عالية في منتزه صور البحري الذي يبعد مسافة 2,5 كليومتر الى الجنوب من صور وفي الدامور التي تبعد 15 كيلو متراً الى الجنوب من بيروت على الساحل. ولكن النتائج أشارت بشكل عام إلى ان مستويات الهايدروكاربونات العطرية المتعددة الحلقات في الرسوبيات والرخويات متفقة مع مستوياتها في المناطق الساحلية المشابهة المتأثرة بالمناطق الحضرية والصناعة وحركة السفن.
وكان زيت الوقود ثقيلاً أيضاً، ما يعني ان نسبة كبيرة منه قد غرقت بسرعة الى قاع البحر بالقرب من محطة الطاقة. وتشير التحليلات الكيماوية لزيت الوقود الى انه يحتوي نسبياً على مستويات منخفضة من الهايدروكاربونات السامة.
ويحذر التقرير من ان كميات زيت الوقود في قاع البحر بالقرب من محطة الطاقة تجب إزالتها في حالة عودة ظهورها، ولكنه يؤكد ان المشاكل البيئية الرئيسية تتعلق بالتخلص الآمن من نفايات الزيت المجمعة.




برلين ــ غسان أبو حمد

إسرائيل استخدمت مادة سامّة... لكنها غير ممنوعة!!


في تقرير مفصل عن المخاطر البيئية التي تهدد لبنان نتيجة الحرب الإسرائيلية، عقد المدير التنفيذي للجنة «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» آخيم شتاينر وفريق الاختصاص المساعد، مؤتمراً صحافياً في برلين، كشف خلاله عن التحديات البيئية الخطيرة التي تواجه اللبنانيين نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.
وكان فريق من الاختصاصيين (12 خبيراً دولياً) قد توجّه إلى لبنان وأجرى فحوصاً ميدانية في أكثر من مئة موقع في لبنان تناولت التربة والمياه السطحية والجوفية والغبار والرماد ومياه البحر والرواسب والرخويات، وكانت هذه العينات ترسل مرتين أسبوعياً إلى المختبرات لتحليلها.
وفي هذا المجال، قدمت لجنة البيئة التابعة للأمم المتحدة مجموعة من التوصيات المطلوب تنفيذها سريعاً وعلى المستوى الزمني البعيد.
وعن التلوث الصناعي والتربة والموارد المائية، كشف المدير التنفيذي للبرنامج أن فريق الخبراء زار 36 موقعاً، خلص بنتجيتها إلى وجود تلوث في التربة بدرجات متنوعة من المواد الهيدروكربونية في محطة توليد الطاقة في الجية ومستودعات تخزين الوقود بمطار بيروت.
ويأتي الجانب المهم في التقرير، وهو المتعلق بالتلوث الناتج من الأسلحة المستخدمة في الحرب الإسرائيلية على لبنان، ولا سيما اليورانيوم المستنفد. فقد اظهرت زيارات فريق الأسلحة التابع للأمم المتحدة والمزود أجهزة عالية الدقة، بعض المواقع أعلى احتمالات التعرض لهجمات بذخائر عميقة الاختراق. ووجد فريق الخبراء أدلة على استخدام ذخائر تحتوي الفوسفور الأبيض. وأوصى التقرير بوجوب أن تقدم حكومة إسرائيل تفاصيل كاملة عن استخدامها لهذه القنابل بغية تسهيل تدمير الذخائر غير المتفجرة وتطهير المناطق الضارة، وتنبيه السكان وفرق تدمير الذخائر إلى أماكن وجودها لأخذ احتياطات السلامة.
وإلى هذه الجوانب الخطيرة من مخلفات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، ردّ رئيس اللجنة والمدير التنفيذي لبرنامج التقويم البيئي لما بعد النزاع على أسئلة الصحافيين، فبيّن ضرورة توفير دعم معيشي بديل لسكان جنوب لبنان حتى يستطيعوا مواجهة هذه المرحلة المؤقتة الحرجة.
وفي الوقت الذي أكد فيه الخبراء على استخدام الفوسفور الأبيض من جانب الإسرائيليين ــ والكلام حرفي في التقرير ــ «لم يستطع الفريق اكتشاف أي تلوث يعدّ دليلاً على استخدام أسلحة اليورانيوم المخصّب». ويبدو أن اللجنة وخبراءها، لم تكن لديهم القدرة على الحديث بصراحة كاملة رداً على السؤال الآتي: «أثبت تقريركم وجود مادة «اليورانيوم الأبيض» في محتويات القنابل الإسرائيلية التي ألقيت على لبنان، هل هذه المادة مخالفة للقوانين الدولية؟ وهل هي مادة سامة؟»، ويأتي جواب رئيس خبراء لجنة الأمم المتحدة مدعاة للابتسام لشدة سطحيته. أجابنا رئيس الخبراء التنفيذي مورالي توماروكودي «إنها مواد سامّة وضارّة بصحة الإنسان وسلامة البيئة.. لكنها مادة كيميائية غير مسجّلة دولياً بأنها ممنوعة!؟».