جورج شاهين
عبرت مراجع سياسية وروحية مسيحية أمس، بإجماع لافت، عن انتقادات قاسية ولاذعة قاربت الاشمئزاز إزاء الوقائع التي شهدها نهار الثلاثاء الماضي، وتحديداً المواجهات التي شهدتها نقاط الاعتصام في أكثر من منطقة، من نهر الموت والجديدة إلى شكا والبترون، مروراً بنهر الكلب وجبيل. واستذكرت وقائع المواجهات المسيحية ــ المسيحية التي رافقت ما سمي في حينه “حرب الإلغاء” أو “حرب توحيد البندقية” في المنطقة الشرقية عام 1989 برموزها وقادتها وأطرافها، بما فيها “الوحدات العسكرية” التي كانت من عناصر القوة في تلك الفترة، في ضوء ظهور بعض اعلامها وشعاراتها العسكرية على هامش التغطية المرئية المباشرة لوقائع المواجهات.
ونقل عن مرجع سياسي مسيحي رفيع قوله إنه ليس من مصلحة طرفي الصراع الادعاء أو المكابرة بأي إنجاز تحقق أول أمس، لا على مستوى قطع الطرق، ولا على مستوى تجاوز دور القوى الأمنية والعسكرية المكلفة قانوناً إعادة الاستقرار وفرض الأمن والنظام، حيثما وقع الخلل على أي بقعة من بقاع الأراضي اللبنانية.
وأضاف: إن صدقية الطرفين تراجعت أمام اللبنانيين والمسيحيين تحديداً، ولن ينفع أي تبرير لما حصل، لا في المنطق السياسي ولا الحزبي، ولن ينفع استخدام وسائل الإعلام أو غيرها من وسائل الاتصال البشرية و“البروباغندا” الإعلامية، ولا في تعداد المواقف المؤيدة لهذا الطرف أو ذاك، في محو هذه الصورة التي ستبقى راسخة في “الزاوية السوداء” من ذاكرة المسيحيين خصوصاً واللبنانيين عموماً في لبنان وحيثما انتشرت الفضائيات اللبنانية والعربية والدولية في أصقاع العالم.
وفي الإطار عينه، نقل عن البطريرك الماروني نصر الله صفير أمس استياؤه البالغ مما جرى، وعبر أمام بعض زواره عن امتعاضه مما آل إليه الوضع “وكأنه كان يراقب مشاهد من مكان آخر من العالم” وليس من جونية أو البترون! وقال أمام وفود حزبية وسياسية زارته في بكركي أمس إنه اطلع من الطرفين على مبررات ما حصل والأسباب الموجبة التي دفعت إليه، لكنها لم توفر الاقتناع الكافي بأن ما حصل كان مبرراً أو مفهوماً.
وأضاف: عبرنا في أكثر من مناسبة ورفضنا لما شهدته بيروت منذ بداية كانون الأول وطالبنا بإزالة الخيم من وسط بيروت وفك الاعتصامات والعودة إلى الحوار، واستدركنا سلفاً ما يمكن أن يحصل في إضراب أمس (أول من أمس الثلاثاء) وتلقينا وعوداً بضبط النفس وتدارك الفتنة، لكن ذلك لم يحصل، ورغم ما رافق الإضراب، فلم يكن صالحاً أن تواجه عناصر حزبية لبنانية ومدنيون من أي فريق كان أي فريق آخر، وليس من المقبول أن نرى مدنيين يضربون بالعصي والحجارة مدنيين آخرين. ومهما كانت المبررات فإن شأن فرض النظام هو من مهام القوى الأمنية الشرعية التي باتت و“للأسف” المؤسسة الوحيدة التي يراهن اللبنانيون عليها لضمان وحدة البلاد وإمكان استعادة وحدته وحريته وتعزيز استقلاله.
وقال زوار الصرح البطريركي إن صفير وجه رسائل بهذا المعنى إلى كل الأطراف، وقد تولى المهمة عدد من المطارنة ورجال دين على اتصال بمعظم القادة الحزبيين المسيحيين ومن الطوائف اللبنانية الأخرى، فضلاً عن الشخصيات الأخرى التي اتصلت به يوم الثلاثاء معبرة عن استعدادها لأي مهمة قد يتطلبها الوضع الخطير الذي شهدته البلاد.