غسان سعود
استبدلت النراجيل والكتب بعصيّ وجنازير، وتلاشت الابتسامات خلف ملامح القلق والترقب. هنا وسط بيروت حيث يبدو واضحاً الارتفاع في مستوى الجهوزية عند المعتصمين لمواجهة أي اعتداء. وبدا أن الشباب انتقلوا من مرحلة إلى أخرى، وأن عودة الفرح والصخب الهادئ إلى اعتصام المعارضة يحتاج إلى أكثر من مبادرة. وبموازاة ذلك، تغيرت معالم ساحة الشهداء، بعد أن غادرها بعض أهلها، وأعيد ترتيب الخيم جغرافياً، فيما تحافظ ساحة رياض الصلح على استقرارها شكلاً ومضموناً. ويقول شبان الساحة إن كثيرين غادروا خيمهم، وعادوا إلى بلداتهم ومراكز أحزابهم لحمايتها من المعتدين عليها. ويبدو لافتاً أن العونيين يحافظون على وجودهم في الساحة، وقد قدم أمس عدد كبير من العونيين العكاريين، الذين سيعوّضون النقص الذي خلّفته مغادرة عدد كبير من طلاب الجامعات بحكم الحاجة إليهم في أماكن أخرى. فيما عزز حزب الله تواجده.
وفي الساحتين، كان هناك شبان كثيرون يتنقلون، حاملين عصياً وجنازير وحجارة، ويغلب عليهم سمة الحقد والغضب. وكأن هؤلاء يترقبون هجوماً عليهم من أنصار الموالاة، وسط تأكيدات من بعض القياديين في المعارضة أن ثمة احتمالاً كبيراً بأن يكون وسط بيروت ساحة للمواجهة الثالثة بعد المتن الشمالي والطريق الجديدة. وأوضح مسؤول حزب الله في مخيم المعارضة الحاج عباس زهر الدين أن إجراءات قد اتخذت وأن التشدد الأمني في المخيّمين احترازي وحسب، ويهدف إلى منع حصول أي احتكاك بين المعتصمين ومهاجميهم إذا أتوا. ورأى أن الجمود المهيمن على الاعتصام طبيعي في الظروف الحاليّة، فيما كشف أحد قياديي التيار أن ثمّة استعدادات لنشاط يقام في الساحتين وأماكن أخرى، حين يسمح الوقت. ولفت إلى تشديد التيار على مناصريه التزام مكاتب التيار، والاتصال مباشرة بالقوى الأمنية عند حصول أي استفزاز لهم أو اعتداء عليهم. ورأى قيادي آخر أن معلومات مخابراتية حذرت من هجوم على المعتصمين، وإحراق بعض الخيم. وقال إن قناصَين فقط، من الذين نشطوا أول من أمس في الطريق الجديدة، قادران على بث الذعر في أهل وسط بيروت، وخلق فوضى عارمة. ولفت إلى أن الموالاة ستهدف من خلال «المشكل» القادم إلى فرض واقع يضغط على المعارضة لإخراجها من الشارع. وربط بين القناصين الذين يقول إنّهم خرجوا من مركز الحزب التقدمي في منطقة الكولا، وكلام النائب وليد جنبلاط عن ضرورة خروج المعارضة من بيروت. وكان قائد القوات اللبنانيّة سمير جعجع غمز إلى الهدف نفسه من خلال كلامه عن مخالفة المعتصمين لمواد في قانون العقوبات.
ووفقاً لأحد منظمي الاعتصام، يفترض بالشباب توقع الهجوم عليهم في أية لحظة، وخصوصاً أنّ مسؤولين كثراً في السلطة حذروا المعارضين من مهاجمتهم بأنفسهم إذا لم يتراجعوا، وأبرز هؤلاء النائب وائل أبو فاعور حين دعا من السرايا الحكومية «المواطنين إلى الجهوزية لموقف تاريخي في التصدي لمخطط استباحة بيروت».
وبالقرب من وسط بيروت، عزز الجيش تواجده، وعلم أن اتصالات مكثفة أجراها حزب الله مع مسؤوليه في زقاق البلاط، للتهدئة وعدم الانجرار بحماسة للرد على أي استفزاز يمكن أن يتعرض له المعتصمون أو غيرهم في محيط وسط بيروت. فيما شهدت الأشرفية هدوءاً لافتاً، وغابت تحركات مناصري المعارضة والموالاة.