أنطون الخوري حرب
عندما بادرت بكركي إلى وضع ورقة الثوابت المارونية، فعلت ذلك لإطلاق مبادرة إنقاذية من الأوضاع التي قد تقود البلاد إلى حرب طائفية ومذهبية، إذ إن التعويل على حكمة السياسيين لا تكفي لترسيخ الاطمئنان بما يحول دون اصطدام القواعد الشعبية بعضها ببعض، في ظل الشحن السياسي. ولم تكن بكركي مترددة قبل إعلان ورقة ثوابتها، فالبطريرك كان دائم التفكير في حل ينهي الأزمة، وخاض مناقشات عميقة مع معاونيه، بغية التوصل إلى رؤية حل يحظى بقبول الجميع. وحين فاتحه أحد معاونيه بمسودة الثوابت، تحمس للاطلاع على مضمونها وتدوين ملاحظاته عليها، موصياً باتخاذ كل المواقف في الاعتبار.
وبعد إعلان الوثيقة رسمياً، لاقت تأييداً من المعارضة وصمتاً ظاهراً من مسيحيي الفريق الحاكم. لكن بكركي لم تفقد الأمل، بل كانت، كلما اشتدت الأزمة، تزداد اقتناعاً بمضمونها. وبعد انطلاق التحرك الاحتجاجي للمعارضة، تدارس سيد بكركي مع أعوانه إطلاق آلية تجمع القوى السياسية المسيحية للبحث في الوثيقة. وهكذا بدأت جولة المطارنة الثلاثة على العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع والرئيس أمين الجميل. وظن المسيحيون، واللبنانيون، أن بكركي وحدها قادرة على إيجاد الحلول، نظراً إلى تأييد عون وفرنجية والجميل للوثيقة، ونظراً إلى تأثير بكركي على «القوات اللبنانية». إلا أنه بعد جولة المطارنة الثلاثة، لم يعد يحكى عن الوثيقة إلى حد انتفاء ذكرها في وسائل الإعلام. وفي نقاش مع وزير سابق أبدى صفير خيبته من المصير الذي آلت إليه وثيقة الثوابت بسبب رفض جعجع لها. ولما سأل الضيف سيد الصرح عن سبب هذا الرفض، كان الجواب أن «لجعجع ارتباطات أكبر منه». كما لاحظ الوزير، في حديث مع أحد المطارنة المعنيين بالوثيقة، خيبة مشابهة. وأوضح المطران له أنه حين كان مع زملائه في زيارة جعجع لمناقشة الوثيقة معه، لم تبدر من الأخير أية إشارة إيجابية، مكتفياً بطلب الاستمهال، ففهم المطارنة أن طلب الاستمهال «يعني الرفض في الشكل قبل المضمون». وعزا المطران خيبته لسببين، أولهما أن الوثيقة تحتاج إلى إجماع القوى المسيحية، مع العلم بأن جعجع يعرف أن الوثيقة تنطوي على لمسات فاتيكانية، وثانيهما عدم مراعاة قائد القوات للجهود التي كان يبذلها المطران في السابق لجمع القيادات المسيحية حول المطالب السيادية، إضافة إلى جعل مطلب الإفراج عن جعجع، السجين حينذاك، في جدول أولويات بكركي.
ومن خلال هذا الواقع، إن محاولة بكركي لرأب الصدع بين المسيحيين ومعالجة الأزمة الوطنية تكون قد باءت بالفشل، ليبدو أن المطلوب من هذه المرجعية الوطنية أن تطرح مبادرات مفصلة على قياس هذا الفريق أو ذاك لكي تنال موافقته. وهذا ما يدل على تغييب منطق الاتفاق والتسوية بين الفرقاء المتخاصمين.
ويعتقد أحد المطارنة بأن موارنة لبنان أصبحوا بحاجة إلى شرعة سلوك تحدد أصول التعاطي بين القوى والتيارات السياسية المسيحية، لأن قاعدة التعاطي الكيفي حالياً مع هذه المرجعية تشير إلى احتمال تكرار سابقة الانقسام المرجعي الروحي الدرزي بحيث يصبح لكل مجموعة سياسية مسيحية مرجعيتها الروحية المستقلة، فنردد ساخرين «على موارنة لبنان السلام».