إبراهيم الأمين
تقدمت المساعي السعودية ــ الايرانية خطوات الى الامام. وانتقل رئيس مجلس الامن القومي السعودي بندر بن سلطان الى الولايات المتحدة، بينما شكلت لجنة من نائبه وأحد مساعدي رئيس مجلس الامن القومي الايراني علي اكبر لاريجاني، باشرت اجتماعاتها امس في العاصمة الايرانية، ويفترض ان يتم وضع الجهات اللبنانية تباعاً في جوّ نتائج المحادثات التي اضاءت «ما هو اكبر من ضوء في نهاية النفق» على حد تعبير الرئيس نبيه بري.
ومع ان في اجواء بري، كما لدى بقية اقطاب المعارضة، من لا يستبعد أن يعمد فريق السلطة او وليد جنبلاط وسمير جعجع الى اطلاق النار وإعادة الظلمة، فإن هناك من ابلغ فريق السلطة بأنه لا ينبغي المغالاة وتقديم قراءات خاطئة لواقع الامر على الارض. فيما استمرت المساعي السياسية ــ الامنية لمنع حصول مواجهة في وسط بيروت، بعدما تبلغت الجهات الامنية الرسمية معلومات عن مناقشات اجراها جنبلاط وجعجع مع بعض النافذين في تيار «المستقبل» لشن هجوم «جماهيري» على ساحتي الشهداء ورياض الصلح بغية «تطهير محيط ضريح الرئيس رفيق الحريري»، وإخلاء الساحة تمهيداً لاحتفال مقرر في 14 شباط المقبل. وقد اتخذت الاجراءات الاضافية ومنها انتشار فرقة من فوج التدخل في منطقة الصيفي لمواجهة احتمال اقدام «زعران القوات اللبنانية» على الهجوم على منطقة ساحة الشهداء للتعرض للمعتصمين من التيار الوطني الحر وتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي، فيما تحتشد مجموعات من «المستقبل» في منطقة وطى المصيطبة، وتتخذ مع مقاتلين سابقين في الحزب التقدمي من منزل جنبلاط في كليمنصو مقراً لغرفة العمليات، وتتولى سيارات تحمل لوحات زرقاء غير قابلة للتفتيش نقل الاسلحة لمن يلزم. وفي المقابل تعززت فرقتا الجيش وسرية حرس المجلس النيابي في منطقة رياض الصلح. فيما حشد المعتصمون من حركة «امل» و«حزب الله» المزيد من الشباب هناك.
ومع أن القوى الامنية الرسمية ولا سيما المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي تبلغ رسمياً من فريق المعارضة أن التعرض للمعتصمين سيؤدي الى كارثة تصيب كل شيء وتنهي كل الخطوط الحمر، فإن جنبلاط وجعجع اظهرا قلة اكتراث بالأمر وقدّما المشروع على انه «حق استعادة ساحة الشهداء»، «وان الامر لا يتعلق بساحة رياض الصلح، علماً بأن شاحنات محملة صخوراً كبيرة وجرافات لقوى المعارضة انتقلت في اليومين الماضيين الى المكان، وهو ما اعطى فكرة عن نوعية الاستعدادات لمواجهة احتمال المواجهة، وقد ظل الجهد الامني المركزي منصبّاً على الأبنية المجاورة واحتمال انتشار قناصين فيها كما حصل في منطقة المدينة الرياضية ووطى المصيطبة، بعدما تبيّن أن بعض الجرحى اصيبوا بأعيرة نارية مصدرها منطقة الوطى حيث ينتشر عناصر جنبلاط، لا منطقة الطريق الجديدة الداخلية فقط.
وبالعودة الى المساعي السعودية ــ الايرانية، علمت «الأخبار» ان المحادثات المطولة التي اجراها بندر في طهران استوجبت منه البقاء لوقت اطول مما هو مقرر. وبات ليلة هناك مع مساعدين له كلفوا متابعة بعض الاتصالات الجانبية التي اجراها الجانبان مع بيروت والرياض ودمشق. واتُّفق بعد انتهاء المحادثات على تأليف لجنة ثنائية تعمل لإنجاز مقترح لحل يمكن أن يكون مدار بحث في بيروت الخميس المقبل، من دون أن يتضح اذا كان المَخرج سيكون من خلال الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي كان قد اظهر رغبة قوية بالعودة الى بيروت الاربعاء الماضي وتعززت قناعته بعد احداث الخميس. لكنه اجرى اتصالات فُهم منها أن الامور لم تنضج بعد، وهو تلقّى تقريراً اولياً عن المحادثات الايرانية ــ السعودية، الأمر الذي دفعه الى الانتظار، علماً بأن المناخ لدى الدبلوماسية المصرية لم يكن ايجابياً بالكامل، وكان الكل يتحدث عن فشل ايران في تقريب وجهات النظر بين دمشق والرياض، وهو الامر الذي تنفيه مصادر متابعة لمحادثات طهران، والتي تعتقد بأنه لم يحن بعد الوقت الذي توضع فيه الاجوبة الكاملة عما هو مطروح.
وبحسب المصادر المتابعة فإن البحث الايراني ــ السعودي يتركز على حل من مرحلتين: الاولى تتطلب ابراز حصول تقدم حقيقي في محاولة حل الأزمة المثلثة الاضلاع والتي تخص ملف المحكمة الدولية والحكومة والانتخابات النيابية، وأن يصار بعدها الى فتح قنوات الاتصال المباشر بين الفريقين اللبنانيين بمساهمة او من دون مساهمة الاطراف الوسيطة، ثمّ العمل على إنضاج حل يتم تنفيذه من خلال المجلس النيابي.
ولفتت المصادر الى أن العقدة غير محددة في مكان واحد. وأوضحت أن السعودية هي التي تقود الوساطة، وأن ابرز المتشددين فيها والاكثر قرباً من الولايات المتحدة والاكثر عداء لإيران ولسوريا، اي بندر بن سلطان، هو من يقود المحادثات، وبالتالي فإن احتمال بروز اعتراضات من بيروت لا يمكن أن يكون الا اعتراضاً من الجهات الخارجية الاصلية. لكن الرياض التي تتفهم هذا الأمر، لفتت الى أن فريق 14 آذار توقف عن شن الحملات المباشرة على الوساطة الايرانية، وأن اكثر المتطرفين، اي وليد جنبلاط، تلقى تعليمات واضحة في هذا الخصوص، وأنه اضطر مرغماً الى تأجيل مؤتمره الصحافي لأكثر من مرة، علماً بأن التجربة السابقة تقول إنه يستطيع، هو وجعجع، أن يعمدا الى تعطيل اي حل من النوع الذي يوفر عودة قوية لفريق المعارضة الى الحكومة. وهو الأمر الذي حصل سابقاً، سواء يوم اتفق سعد الحريري مع حركة امل وحزب الله ضمن ما عرف باتفاق الرياض الشهير، او ما حصل لاحقاً مع مبادرة عمرو موسى.
وتلفت المصادر الى أن الموقف السوري سيظل رهن ما يقرره فريق المعارضة في لبنان، وأن دمشق التي تعيش اجواء تفاصيل المحادثات مع السعودية تتلقى رسائل كثيرة من الولايات المتحدة، وقد نقل عن الرئيس بشار الاسد انه سمع كلاماً اميركياً مباشراً نقله محمود عباس وجلال الطالباني وبرويز مشرف، وأن دمشق تعرف حدود اللعبة وحدود المناورة الاميركية، وأن ما يهمها في ملف المحكمة او اعادة تكوين السلطة في لبنان هو ما يمثله الآن خط المعارضة في بيروت.
ويبدو أن البحث يتركز على تثبيت حق المعارضة بالثلث الضامن مقابل ضمانات بعدم تعطيل الحكومة. وأن ملف المحكمة ينجز وفق الملاحظات التي تنقل على عجل الى الامم المتحدة التي تصدقها، كما يطلب فريق 14 آذار تلقّي ضمانات كاملة بأن تتخذ كل الإجراءات الكفيلة بمنع رئيس الجمهورية اميل لحود او الرئيس نبيه بري من عرقلة اقرار المحكمة. اما في شأن ملف الانتخابات، فهناك نقاش بشأن طلب 14 آذار اقرار القانون اولاً، وترك موعد الانتخابات الى حين، او ربطه بتوافق مبكر على الملف الرئاسي.