strong>غسان سعود
قبل قرابة شهر، عقد النائب وليد جنبلاط مؤتمراً صحافياً خصصه لعرض قضية «شراء متمول شيعي أراضي شاسعة لتوفير التمدد العسكري الإيراني من الباب العقاري خدمة للواقع الحالي». فرد السيد حسن نصر الله بالجزم أن الحزب لا يشتري أراضي في جبل لبنان، وارأى أن جنبلاط تحدث عن جبل لبنان، مستنداً إلى مثل من الجنوب. وهنا أقفل الموضوع.
لكن القضية أثيرت مجدداً، من ضمن ملفات المعارضة هذه المرة، وذلك بعد مؤتمر باريس ـــ 3. وهي تستعمل اليوم للغمز من قناة الثمن السياسي الذي يرتبه المؤتمر، والمتمثل بالتوطين.
هكذا، تعيد المعارضة رسم الصورة. المكان، هذه المرّة، وسط جزين. المُتهم، موظف في هيئة أوجيرو يُدعى خليل ياسين. الجريمة شراء متموّل سنّي أراضي يملكها مسيحيون. وبذلك تكتمل فصول قصة بدأت قبل وصول الرئيس رفيق الحريري إلى السلطة، حين اتهمته بعض الأوساط المسيحية (القواتيّة خصوصاً) بالسعي إلى شراء مساحات شاسعة في الجنوب، وتحديداً في جزين، من أجل توطين الفلسطينيين.
اليوم، يقول زياد أسود منسق التيار الوطني الحر في جزين، إنهم تثبّتوا من حصول عمليات شراء واسعة لمساحات كبيرة وعقارات في مواقع مترابطة ومتلاصقة داخل قضاء جزين، وذلك بهدف إجراء حزام تواصليّ بين العقارات المباعة لفصل منطقة الوسط عن الجبل. وذلك على غرار ما سبق أن حصل في منطقة كفرفالوس الساحلية في أوائل الثمانينيّات.
ويقول أحد أبناء المنطقة إنّ المتموّل ظهر قبل قرابة سنتين، وأحاط نفسه بمظاهر بذخ غريبة. ولاحقاً، بدأت حالة هستيرية بشراء الأراضي. ويشير أحد المطّلعين إلى تركيز ياسين على شراء الأراضي في وسط جزين تماماً، بمنطقة موازية لكفرفالوس. ويستغرب أسود اندفاع بعض رؤساء البلديات في الدفاع عنه، ما زاد من دائرة الشك فيه. ويؤكد أن الأراضي، التي يدفع الرجل ثمنها مهما بلغ، غير صالحة للاستثمار. ويرى لافتاً المصدر المجهول إلى الأموال المستعملة وحجم الكتلة النقدية الموضوع لتنفيذ هذه العملية التي تقدر قيمتها بملايين الدولارات.
تجدر الإشارة إلى أن شراء العقارات في السنتين الماضيتين تركز في بلدات الحمصية، بتدين اللقش، الميدان، الغباطية، بنواتي، بكاسين، وخراج مدينة جزين. ومن ضمن هذه الأراضي، مساحات حرجية كبيرة. ويؤكد أحد المطلعين أن مساحة العقارات تجاوزت المليون متر مربع. وقد بيعت بعض الأراضي بتدخل مباشر من بعض رؤساء البلديات في المنطقة. ويكشف أحدهم أن السجل العقاري يدلّ على شراء ياسين 150 عقاراً حتى نهاية تشرين الثاني، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، يقدر عدد العقارات التي اشتراها بمئة تقريباً.
وفيما تعمل القيادات العونيّة المسيحية في الجنوب على تتبّع حركة خليل ياسين، إبن بلدة بنواتي المجاورة لبلدة بكاسين في قضاء جزين، ترى القيادات القواتية الجنوبية أن الخطر الرئيسي على جزين، وهويتها المسيحية، يتمثل في المستثمر الشيعي علي تاج الدين، إبن بلدة حناويه في قضاء صور. وقد اشترى تاج الدين، بحسب القواتيين، عقارات كبيرة في جزين، إضافة إلى عقارات تمتد من محيط مزرعة داريا مروراً بالقطراني وصولاً الى محيط بلدة السريرة الدرزية المتاخمة للبقاع الغربي. ويؤكد أحد قياديي القوات في بكاسين أن الشاري الشيعي يعتزم تشييد مجمعات سكنية ضخمة على الاراضي المذكورة لربط المجموعات الشيعية الموجودة في قرى البقاع الغربي بمثيلات لها في منطقة جزين، وتحديداً في محيط القطراني والسريرة حيث الغالبية من الطائفة الدرزية. الأمر الذي لا يخيف مسيحيي التيار الذين استحصلوا على تأكيد من قيادة حزب الله بأن تاج الدين مستعد للبيع إذا كان الشاري مسيحياً.
ويرى آخرون أن البلبلة المثارة اليوم، هي استكمال لما بدأ في أواسط السبعينيات حين اشترى الرئيس رفيق الحريري مساحات عقارية شاسعة في منطقة كفرفالوس الجزينيّة. واتهم الحريري يومها بـ«أسلمة» جزين. وأوقف العمل بمشروع كفرفالوس، الذي وبحسب تيار المستقبل كان سيكون المشروع الأول في الجنوب من حيث الحيوية والتقديمات الإنسانية والصحية والتربوية. وهو ما دفع النائبة بهية الحريري إلى إعادة متابعة الموضوع مؤخراً. وفي مطلع التسعينيات، أثير الملف مجدداً، وشنت حملة ضد «مشروع عفيف رستم السكني التجاري في كفرجرة الجزينية» وقيل يومئذ إن رستم يهدف الى توطين الفلسطينيين، وهو ما ثبت عدم صحته.
أما الشخصان المعنيان بالقضية، فـ«غائبان عن السمع».