عمر نشابة
الخيار بين المحكمة الدولية التي تكشف الحقيقة وتوفر العدالة وبين مشاركة جميع اللبنانيين في الحكم مشاركة فعلية، خيار يشبه تخيير الرئيس الاميركي جورج بوش العالم بين الانحياز الى تنظيم «القاعدة» أو الانحياز الى إدارة البيت الأبيض (With us or against us). لكن لا شك في أن التخيير بين «الخيارين» بعد جمع كل منهما في خيار واحد أسهل على اللبنانيين من التخيير المزدوج. فغالبية اللبنانيين يختارون المحكمة والمشاركة في آن واحد بينما يرفضون خياريْ بوش و«القاعدة». وان الربط بين بوش والقاعدة، بالمناسبة، شبيه بربط المحكمة بالمشاركة لكن في شكل معكوس. فلم يكن ممكناً أن تنجح القاعدة في الظهور كقوة عالمية من دون دعم إدارة رونالد ريغان وبوش الأب لها عسكرياً ومالياً وسياسياً، كما لن يكون ممكناً أن تنجح المحكمة في تحقيق العدالة من دون مشاركة جميع اللبنانيين في إنشائها.
عطّل الرئيس فؤاد السنيورة المحكمة بتحويلها الى مادة تجاذب سياسي لا بل طائفي ومذهبي عبر «تمريرها» في «مجلس وزراء» غابت عنه ممثلو شريحة واسعة من اللبنانيين وطائفة بأكملها في نظام مركّب على أساس المحاصصة الطائفية والمذهبية.
لا يمكن الدعوة الى المشاركة واشتراط عدم التعطيل في آن. وكان السنيورة قد صرّح أول من أمس «يدنا ستبقى دائماً ممدودة لكن للمشاركة الصادقة لا للتعطيل». وتذكّر هذه الصيغة بحرّية المرأة في المملكة العربية السعودية، حيث يسمح لها بـ«المشاركة» لكن ممنوع عليها التصويت وممنوع عليها تعطيل ما يختاره زوجها الذكوريّ المتسلّط.
يقترح السنيورة المشاركة الشكلية ويرفض المشاركة الفعلية. وفي تصرّفاته نزعة سلطوية وتمسّك بتوجّه سياسي يخدم مصلحة الإدارة الأميركية يحاول إخفاءه في اللعب على العواطف. فيذكر السنيورة الشهداء والإرهاب الذي يتعرّض له البلد ويحاول تبرير فشل حكومته بحماية المواطنين منه عبر إلقاء اللوم على حقبة «الهيمنة السورية» التي كان خلالها السنيورة نفسه وزيراً وشريكاً.
احتشدت أمس أعداد كبيرة من اللبنانيين في وسط العاصمة مطالبين برحيل حكومة السنيورة الفاقدة الشرعية الدستورية، لا بل ليؤكدوا عدم دستوريتها وعدم صدقيتها وعدم شرعيتها وعدم تمثيلها الشعب والقوى الأساسية في هذا البلد.
بعد مشاهدة الحشد المهيب المطالب بإسقاط الحكومة... ألا يخجل السنيورة من أن يتمسّك بكرسيه وخصوصاً بعد فشل حكومته في توفير الوحدة الوطنية التي نحن في أمس الحاجة إليها؟