نادر فوز
حلقات من الدبكة، بائعو بالونات وكعك وحلوى، زوايا وجلسات لمدخني النارجيلة، بضعة «تجمّعات» للعب «الورق»، عشب «جبران خليل جبران» صار ملعباً لـ«أطفال الدمار والتهجير»... لولا الأناشيد الوطنية والأعلام والهتافات الحزبية التي هزّت أرجاء «سوليدير»، لكنّا اعتقدنا أنّ أجواء الفرح هذه هي في أحد الاحتفالات الدينية السنوية.
المعتصمون لم ينسوا بالطبع هدف التجمّع في «قلب العاصمة» لإسقاط حكومة 14 آذار، فاستمروا في التوزّع على «خطوط التماس» مع السرايا لإطلاق شعاراتهم الداعية إلى استقالة الرئيس فؤاد السنيورة. هذه الشعارات لم تتوقف منذ بدء الاعتصام، حتى خلال الليلتين الماضيتين. فالعديد من المعتصمين لم يناموا خلال الليلة الأولى من الاعتصام واستمروا في إطلاق الهتافات. كما وقع إشكال بين أنصار من القوى المعارضة وأحد الشبان الذي كان يصورهم، وهم يدبكون. تبّين لاحقاً أنّ «المصور» هو شاب اشتراكي لم يستطع ضبط أعصابه فشتم «السيّد»، ثمّ تعرّض لضرب مبرّح قبل أن ينقذه عناصر «الانضباط».
«الناس يريدون أيضاً أن يتسلّوا» يقول أحمد، أحد المشاركين، معتبراً أنه يجب متابعة الحياة بشكل طبيعي «كي لا يتحقق مراد السنيورة وأسياده في تغيير حياتنا اليومية». أحد أصدقائه يعتقد أنّ هذه الأجواء التي وصفها بالعادية «يمكن اعتبارها أجواء فرح لأنّ الناس بدأوا يشعرون بأنّهم يستطيعون التغيير، لا بل بدأوا العمل جدياً على اقتلاع سياسة حكومة ظالمة وعميلة». ويرى أحمد، الطالب في السنة الثانية في علوم الحياة الفرع الأول لكلية العلوم الجامعة اللبنانية، أنّ الهم الوطني يتقدم على كل القضايا الشخصية الأخرى، فهو أجّل موضوع دراسته وانضم إلى صفوف المعتصمين، «العِلم لا ينفع إذا لم يكن هناك دولة». مشكلة أحمد مع الحكومة ليست فقط من منطلق طائفي أو حزبي أو عقائدي أو لأنها «خانت» المقاومة كما قال صديقه، بل لأنه كشاب لبناني لا يجد «الحد الأدنى من إمكان العيش في هذا الوطن»، إذ لا تقوم الدولة بتأمين عمل أو ضمان وحتى نظام، فهو لا يعرف حقوقه وواجباته.
تحدّث أحمد عن معاناته اليومية من أجل متابعة دراسته من جهة ومساعدة أبيه في «النجارة» أو أخيه في محل بيع لوازم الأجهزة الخلوية، من جهة أخرى. أحمد، الذي يبلغ الواحدة والعشرين من العمر، يطمح بأن يصبح طبيباً، لكنه اليوم مستعد لأن يقاتل في صفوف المقاومة ضد «الكيان الصهيوني»، أو أن ينام أشهراً وسنوات في العراء من أجل إسقاط «الحكومة الأميركية في لبنان». باختصار أحمد مستعد لأنّ يتخلّى عن كل شيء من أجل «السيد»، «لأنه رجل أثق به كقائد ويعمل لتحرير لبنان ويسعى إلى قيام دولة وطنية تراعي مصلحة شعبها لا زعمائها».