طرابلس ــ نقولا طعمة
ليس من المغالاة في شيء القول إنّ طرابلس، وأكثر مناطق الشمال، تكاد تغيب عن الحدث الأساس، ولا تظهر فيها أية حركة لأطراف المعارضة، على رغم وجود قوى متعددة منها في الشمال. يرأس الرئيس عمر كرامي «اللقاء الوطني اللبناني» الذي لا يؤدّي أي دور شمالاً في الوقت الراهن. وتغيب «جبهة العمل الإسلامي» وأطرافها المختلفة عن الحدث. ولا يبرز أي تحرّك للأحزابالمحسوبة على المعارضة. وتنأى الشخصيات المعارضة للسلطة بنفسها عن الساحة، كأن «البعبع» المذهبيّ يخيفها من احتمال فقدانها قاعدتها الشعبيّة لحساب قوى أخرى. وثمّة تساؤل يطرح: هل باتت كل هذه القوى والشخصيات أعجز من أن تبادر إلى أيّ تحرّك؟ أي بتسيير موكب، مثلاً، أو رفع لافتة، أو تجميع قوى لرفد التحرك الجاري في بيروت؟
ولا يبرر تراجع حركة المعارضة التحجج باحتمال وقوع حوادث واعتداءات من عناصر الطرف الآخر في ظلّ وجود قوى أمنيّة كبيرة حرصت على ضبط الوضع إلى حدود بعيدة، ولا يبرّره ضعف الإمكانات الماليّة المتوافرة لدى الطرف الآخر، ولا القول إن «خطّة التحرك تلحظ خطوات لاحقة على صعيد المنطقة»، بحسب ما ذكر مصدر في المعارضة.
ويكاد يقتصر تحرك قوى المعارضة على تيار «المردة» الذي استطاع أن يبادر، ويحشد، ويقيم خيمه في ساحة الشهداء. وبسبب ضعف حضور قوى المعارضة، بدت الساحة كأنّها معقودة اللواء لتيار المستقبل يتحرّك فيها وحيداً بشيء من الهزال بعدما اطمأنّ إلى أنه ليس من ينافسه على الحركة في المدينة وبعض مناطق وجوده مثل عكار والمنية والضنيّة، فتنطلق بدفع منه بعض المواكب المسائيّة تحمل صور الرئيس الحريري، والنائب سعد الحريري، والرئيس فؤاد السنيورة لتجوب الشوارع والأحياء، مطلقة الهتافات ومكبّرات الصوت بشعاراتها، ورافعة الأعلام اللبنانيّة، وترفع بعض الشرفات الأعلام اللبنانية تلبية لدعوة قوى السلطة، وتسمع المفرقعات يطلقها أنصارها بين الحين والآخر. بينما تعود باب التبانة منطقة الفقر والتهميش الأولى في لبنان لتتصدر أكثر الممارسات حماوة، إذ سُمع إطلاق نار غزير في الجوّ في أحياء مختلفة منها، وذلك عندما كانت فضائيّة «الحرّة» تجري مقابلة مع النائب سعد الحريري. ولم تزل النيّة غير واضحة في استخدام السلاح في هذه المنطقة تحديداً، بينما يتوافر الحرص على عدم إطلاق النار خارجها.
ولم يكن واقع طرابلس ومنطقة الشمال أفضل حالاً في المشاركة في التجمّع أول من أمس، واقتصرت المشاركة الطرابلسيّة على رتل ضم زهاء سبعين سيارة وسبعة باصات صغيرة للنقل العام في موكب للرئيس عمر كرامي.
وما ظهر من مشاركة على صعيد القوى الأخرى فإما كان غياباً شبه تام، أو تحرّكاً متخفّياً منعاً للتصادم مع تجمّعات لتيار المستقبل أقيمت على طريق عام البداوي والمنية وعكّار، وعمدت عناصر منها لرشق عدد من السيارات بالحجارة لدى مرورها في اتجاه بيروت، أو لدى عودتها، وخصوصاً تلك التي حملت صوراً وشعارات «للتيار الوطني الحرّ»، على غرار ما جرى في الانتخابات النيابية، ما حدا قيادة التيار على إلغاء بعض نقاط تجمّعها، وتوجيه عناصرها إلى بيروت من دون مواكب، ولا مظاهر احتفاليّة.
ولئن بدا التراجع واضحاً في جمهور القوى الموالية للسلطة الحالية في الحشد الذي دعت إليه قيادة هذه القوى للمشاركة في تشييع النائب الراحل بيار الجميّل، فتركّز تجاوب الجمهور مع المناسبة بمنطق المردود المالي الذي كانوا سيجنونه، فقد بدا أكثر استفحالاً لدى قوى المعارضة. يشير التراجع الشمالي في المناسبتين إلى تهميش متنام للمنطقة في المسار الوطني، يخشى أن تنعكس آثاره مزيداً من التراجع في أوضاعه الاجتماعيّة والاقتصادية والحياتية العامة.