طارق ترشيشي
المشهد القائم على المسرح السياسي في هذه المرحلة هو حتى إشعار آخر: معارضة نزلت الى الشارع بقوة لإسقاط حكومة تحاصر نفسها في السرايا الكبيرة منتظرةً “ترجمة عملية” لما يصدر من مواقف داعمة لها عن بعض الدول العربية والأجنبية.
أوساط قيادية في المعارضة تقول إنها لم تنزل الى الشارع لتعود منه خالية الوفاض، فهي ستبقى فيه الى حين انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود إذا لم تنصَعِ الأكثرية الحاكمة للإرادة الشعبية وتقبل الشراكة مع الآخرين في حكومة وحدة وطنية.
وفي انتظار ما سيؤول إليه الوضع تسجّل الأوساط نفسها الملاحظات الآتية:
أولاً: يقول وزير المال جهاد أزعور إن الاقتصاد الوطني تكبّد يومياً خسائر بقيمة 70 مليون دولار من جراء اعتصام المعارضة المفتوح في وسط بيروت، ولم يُضِف إليها خسائر يومي الإقفال العام في الشركات والمصارف الذي دعت إليه الهيئات الاقتصادية أخيراً. كما أنه لم يُجرِ إحصاءً للخسائر التي أصابت الاقتصاد يوم نزلت قوى 14 آذار الى الشارع قبل وقوع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 وبعدها. وفيما أعلنت الحكومة أن الخسائر التي تكبّدها لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي الأخير بلغت خمسة عشر ملياراً ونصف مليار دولار ، إذ بأزعور يُصحح هذا الرقم قبل أسبوعين ويقول إنه ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار فقط.
ثانياً: تحوّل السرايا الحكومية الكبيرة مسجداً يوم الجمعة ثم كنيسة يوم الأحد “من أجل الحفاظ على التوازن الإسلامي ــ المسيحي “ وهذا يدل على أن الأكثرية الحاكمة تأخذ بالمسجد والكنيسة في الشكل وتترك المضمون الذي يقول وفق الحديث الشريف: “الخلق عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله”. فهذه الحكومة لم تنفع أهلها طوال مسيرتها، بدليل أن أهل الضاحية الجنوبية والجنوب يأسفون لأنهم لم يستطيعوا تلبية نداء الحكومة لرفع العلم اللبناني على شرفاتهم لأنها لم تعمّر لهم تلك الشرفات التي دمرها العدوان الإسرائيلي.
ثالثاً: عندما يبادر الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز الى الاتصال شخصياً برئيس الحكومة فؤاد السنيورة وبالوزراء المقيمين معه في السرايا الحكومية الكبيرة فرداً فرداً، أفلا يُعدّ هذا الأمر تدخلاً أم ماذا؟. أما الرئيس المصري حسني مبارك فقد أخطأ النظرة عندما رأى أن “الشيعة” يقيمون “القداس” في كنيسة مار جاورجيوس المارونية في وسط بيروت، وحاول إضفاء الصبغة الشيعية على المعارضة محمّلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري مسؤولية ما يحصل بصفته زعيماً للمعارضة (كما يراه الرئيس المصري) وهو الذي دعمه وشجعه مع المسؤولين العرب والأوروبيين على إدارة الحوار والتشاور الوطني بين الأكثرية والمعارضة.
وتضيف أوساط المعارضة: “إذا تحرّك الأقباط في مصر مطالبين بتحسين أوضاعهم، فهل يسمح الرئيس مبارك للفاتيكان والدول الغربية بالتحرك لمساعدتهم كما يهدد هو بـ“جحافل” التدخل من دول عربية لمساعدة حكومة السنيورة”. كذلك تساءلت هذه الأوساط: “من أين ستدخل هذه الجحافل لـ“نجدة” السنيورة من البحر أم من البوابة الجنوبية الإسرائيلية أم بالشراكة مع إسرائيل بعد فشل العدوان الإسرائيلي الأخير وخصوصاً أن اتفاق “كمب ديفيد” يمكن أن يسهّل لمبارك إرسال من يريد عبر إسرائيل؟”.
وتخلص الأوساط القيادية المعارضة الى التأكيد أن المعارضة “اتخذت قراراً بالبقاء في الشارع حتى انتهاء ولاية الرئيس لحود أو تأليف حكومة وحدة وطنية، وهي في مرحلة أولى تقبل الآن المشاركة في القرار مع الفريق الحاكم، لكنها بعد فترة لن تقبل حتى بالمشاركة. لذا فإن من يراهن على ضعف المعارضة أو على إحداث فتنة داخلية مسلحة سيكتشف أن أول من يصاب بها هو العاصمة والسلطة التي ستكون الخاسر الأول في هذا المجال”.