نادر فوز
شارك أحمد علي محمود في الأيام الأولى من انطلاق اعتصام المعارضة، كمعظم الشبان الذين يرون أنّ حكومة الرئيس السنيورة فاقدةً للشرعية. لكنّه لم يعلم أنّ الشعارات الأخيرة التي دعا فيها رئيس الحكومة إلى التنحّي ستكون آخر كلمات يطلقها، ليغطّ بعدها في صمته الأبدي. ربما تحمّس مع زملائه عند سور القوى الأمنية المدعوم بالأسلاك الشائكة، أو «نفّخ» نارجيلة مساءً في سهرة لا نهاية لها، أو «دبك» فرحاً لقيام معارضة قادرة على إسقاط «حكومة فيلتمان»... فكانت هذه آخر الأعمال التي قام بها لأنّ رصاصات مسلّحين اعترضته أوّل من أمس، فيما هو عائد مع أخيه من الاعتصام على دراجتهما النارية بالقرب من منزل أهلهما في منطقة قصقص.
«روضة الشهدين» ازدحمت أمس بالمعزّين من أقارب وأصدقاء أحمد، وكان الغضب بادياً عليهم جميعاً. داخل الحسينية، كانت إحدى أخواته الأربع تغوص في دموعها، فيما نقلت أخرى إلى مكان آخر بعدما أغمي عليها. عُلّقت صور الشهيد بالثياب العسكرية، صور تعود إلى الأيام التي انخرط فيها في «خدمة العلم». خرجت إحدى المعزّيات، توجّهت إلى عدسات الكاميرات، أعلنت أنها لا تمتّ له بصلة قرابة وأنها فقط «بنت المنطقة» ثم فجّرت غضبها: «شبابنا ما بتروح هيك، إذا ما استقال السنيورة نحن النسوان نازلين نسحبه من السرايا». وصفت سعد الحريري وجنبلاط بالعميلين، ثم أنهت كلامها «وقفنا بوجه إسرائيل، وسنقف بوجه أكبر رأس».
وتوعّد العديد من الشبّان بالردّ على الجريمة التي حصلت رغم القرار بضبط النفس الذي أطلقه كل من السيد حسن نصر الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري. خلال التعازي، وصل نبأ تأجيل الدفن لنهار واحد لاستشهاد شاب آخر متأثراً بجروح أصيب بها الأحد جراء تلقّيه طعنات مسلّحين. زاد التشنّج وتصاعدت «لهجة» الهتافات. أحدهم قال إنّ ضبط النفس لم يعد ينفع لأن الدماء سالت ولن ينتظر أحد «أنّ يصفّونا فرداً فرداً». وعلّق آخر على تصريح رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع الذي قال «إنها مسألة حياة أو موت» فقال «نحن نفضل الموت على العيش في ظل حكومة عميلة لإسرائيل»، ثم أكمل «مقابل كل واحد واحد».
علي محمود (أبو حسن)، والد الشهيد، جلس مفجوعاً على كرسيه يتقبّل التعازي. استطاع البوح ببعض الكلمات شارحاً تفاصيل الحادث. روى ما قاله ابنه حسن الذي كان يرافق أحمد على الدراجة في الرحلة الأخيرة من «رياض الصلح» إلى «مغسل شاتيلا»؛ أطلقوا عليهم النار قرب المنزل، «أصابته رصاصة في ظهره فاخترقت رئته وخرجت من قلبه»، هرب حسن إلى المنزل فيما كان الرصاص يملأ المكان. الوالدة كانت تحضّر بعض الطعام لأولادها الذين قرروا الالتزام بقرار إسقاط الحكومة. «لا نعرف من أوصل أحمد إلى المستشفى»، قال أبو حسن، لكنه يؤكد أنّ ابنه توفي قبل وصوله إلى «الساحل». كما أنه حسم موضوع قاتل ابنه، «الأمر مقصود ونحن معروفون هناك»، وهو يرى أنّ المسلــــحين أعــــدّوا «كمــــــيناً في المنطقة».
استلم الحاج محمد، عم الشهيد، الكلام فيما انغمس الوالد في تقبّل التعازي. يحمّل محمد سعد الحريري وكل 14 آذار المسؤولية كاملةً عما جرى، «فهم ينفذون المخطط الإسرائيلي وينتهجون أسلوب التصفيات نفسه». حمّلهم أيضاً مسؤولية اغتيال الوزير بيار الجمّيل، ثم تحدث عن «أيديهم المغمّسة بالدماء»، وعن «تاريخ كل من وليد جنبلاط وسمير جعجع وإجرامهما. يدعو كل من محمد وعلي الرئيس السنيورة إلى الاستقالة قبل أن تتفاقم الأمور، وقبل أن تسيل دماء شبان آخرين، «تشبّثه بالكرسي قد يؤدي إلى وقوع مزيد من الضحايا». أمّا عن موضوع الثأر الذي أثاره الشبان خارجاً، فعلّق عليه الحاج بجملة واحدة «من يُرِدْ أن يفعل لا يتكلم، وكل شيء له وقته».