strong>العدل في عين العاصفة التي تضرب لبنان في هذه الأيام ... هكذا تبدو الصورة في نظر المراقبين المطلعين على واقع السلطة القضائية والمؤسسات العسكرية والأمنية، الموضوعة في واجهة الأحداث الآنية، والواقعة تحت مجهر الرأي العام اللبناني المنقسم
الرأي العام اللبناني منقسم على ذاته قبل أن يكون منقسماً بين مؤيد للسلطة الحاكمة ومعارض لها، لجهة الدور الذي تضطلع به وموقعها وربما موقفها مما يجري، وما اذا كانت مستمرة في الوقوف على الحياد، في ظل ما تسمعه ويتنامى اليها يومياً من أنها تأتمر بأوامر حكومة فاقدة الشرعية الدستورية.
ان القضاء سلطة مستقلة تسعى عبر مجلس القضاء الأعلى الى ابعاد السياسة ومشاكلها عن أبواب قصور العدل والمحاكم، الاّ أن محاولات التحصين هذه لا تخفي حقيقة ثابتة وهي أن القضاة هم من هذا الشعب وأبناء هذا المجتمع المنقسم الى تكتلات واصطفافات سياسية وربما طائفية، فيبقى لكل قاض رأيه وموقفه الذي يحاول ابقاءه داخل جدران مكتبه أو منزله بدون المجاهرة به. ولا ضير في أن تختلف آراء القضاة في قضية سياسية هي موضع صراع لبناني داخلي كما هي الحال اليوم، الاّ أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل توثر آراء القضاة المتناقضة في السياسة على حيادهم في الأحكام والقرارات التي يصدرونها؟ وهل تقوم أجهزة الرقابة والتفتيش القضائي بمهماتها في المراقبة والمتابعة بالشكل المناسب أم أنها هي أيضاً تعاني تأثير الاصطفافات السياسية القائمة بين القضاة والموظفين التابعين لها؟.
المطلعون على الواقع القضائي يجزمون بأنه مهما اختلفت آراء القاضي اللبناني وانتماءاته عن المتقاضي الذي يمثل امامه، فإن القاضي يترك كل الاعتبارات والولاءات جانباً ولا يحكم الا وفق مقتضيات ومعطيات الملف الذي بين يديه.
وفي هذا المجال يؤكد قانونيون أن مآثر قضاة لبنان كثيرة في مثل هذه المسائل، مذكرين بأن قضاة كثراً خيبوا ظن سياسيين أتوا بهم الى المناصب والمراكز المرموقة لأنهم اصدروا قرارات وأحكاماً تخالف تماماً التعليمات التي اتتهم من هذا المرجع السياسي المحسوبين عليه. ويعطي هؤلاء (القانونيون) أمثلة كيف أن قضاة كباراً فقدوا مناصبهم في مشروع التشكيلات القضائية بسبب الاستقلالية الذاتية التي حصنوا انفسهم بها.
انطلاقاً من هذه الوقائع، يقول وزير سابق للعدل «انه لا يوجد في لبنان قضاء مستقل، بل هناك قضاة مستقلون، لا يمكن أي جهاز رقابي مهما كانت قدراته وإمكاناته أن يمنع مسؤولين سياسيين من التواصل أو الاتصال بالقضاة، لأن لبنان بلد صغير وكل الناس يعرف بعضهم بعضاً، لكن العبرة تكمن في مدى حصانة القاضي تجاه هذا التدخل وعدم الانصياع الى طلبات لا تنسجم ورسالته في احقاق الحق بين الناس». من هنا، ومع تسارع الأحداث الأمنية في مختلف المناطق والمحافظات اللبنانية في ظل حالة الغليان، تشخص انظار اللبنانيين نحو القضاء لمراقبة الاجراءات التي سيتخذها القضاة في حق محدثي الاشكالات الأمنية والمتسببين بقتل شاب واصابة العشرات عوضاً عن امتهان كرامات الناس والاعتداء على ممتلكاتهم. مع تمنّ ممزوج بخوف وقلق عند اصحاب العلاقة بأن لا يكون حقهم رهينة ولاءات السياسة عند القيمين على العدل وإحقاق الحق.
لماذا هذا الخوف الآن؟ لأن البعض يرى انه «منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 أخذت الاصطفافات السياسية والمذهبية طريقها الى كل المؤسسات ومنها القضائية والعسكرية والأمنية والتي بدأت تتظهر بوضوح يوماً بعد يوم. وبات معلوماً ما يدور من سجالات وأحاديث بين الموظفين في هذه المؤسسات، سواء القضاة والموظفون العاملون معهم أو الضباط أو العسكريون، وبدا الخطّ الأول لهذه الاصطفافات أكثر وضوحاً إثر انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005، ثمّ المحطة الثانية خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز 2006 وتبعتها المحطة الثالثة، الأزمة الدستورية والحكومية وما رافقها من انسحاب ستة وزراء وانطلاق التظاهرات الشعبية العارمة في وسط بيروت».
(الأخبار)