نبّه السينودوس الاسقفي الماروني في ورقة أعدها تحت عنوان «اعلان ثوابت الكنيسة المارونية» الى أن لبنان أصبح في مأزق يهدد وجوده، طارحاً مبادرة «للملمة الوضع المتفجر من خلال تأليف حكومة وفاق تؤمن مشاركة واسعة على المستوى الوطني، واذا تعذر ذلك، تأليف حكومة من مستقلين تعمل على اقرار قانون جديد للانتخاب على اساس الدوائر الصغرى وتقريب موعد انتخاب رئيس للجمهورية لاختيار شخص يتم الاتفاق عليه».وجاء في الاعلان الذي تلاه النائب البطريركي المطران سمير مظلوم امس في بكركي: «يعيش اللبنانيون اليوم، وبخاصة الموارنة، فترة حرجة من تاريخهم، تكثر فيها الاسئلة عن مصيرهم ومصير وطنهم، ويتعاظم الخوف على مستقبلهم والخشية من عودة الاقتتال الداخلي، بسبب الصراعات الدائرة وما يرافقها من شحن للنفوس واثارة للغرائز». واعتبر أن «الوطن اصبح في مأزق يهدد وجوده وكهنوته، وينذر بارتدادات بالغة الخطورة على المنطقة بأسرها»، لافتاً الى أن «الشعب تتجاذبه تيارات متناقضة ومحاور اقليمية متناحرة، فأخذ بعضه بالاصطفاف وراء هذا المحور او ذاك، ووقفت الاكثرية الصامتة حائرة ضائعة عاجزة عن الصمود في وجه التيارات وعن اختيار موقع لها. والدولة اضحت مهددة بتقطيع اوصالها تطغى عليها الانتماءات الطائفية وصراعات القوى والمصالح الفئوية، وبات دور المسيحيين فيها مهمشاً، ولم تعد تقوى على القيام بدورها في توحيد المجتمع اللبناني والحفاظ على امنه وكرامة الانسان فيه ونيله حقوقه الاساسية». وأشار الاعلان الى انه «امام هذا الواقع المأسوي، لا يسع الكنيسة المارونية ان تتنكر للدور الاساس الذي مارسته عبر التاريخ في بناء هذا الوطن، والذود عنه في وجه كل الاجتياحات والاحتلالات، وفي قيام دولة الاستقلال وإرساء النظام البرلماني الديموقراطي الحر، كما لا يمكنها أن تتوانى عن التصدي للأخطار التي تهدد وجود الوطن ومستقبل الشعب واستمرارية الدولة». وذكّر «ببعض المبادئ الاساسية التي تمثّل ثوابت وطنية يجب التقيد بها والانطلاق منها لمعالجة الامور الملحة التي من شأنها ان تساهم في اخراج البلد من المأزق، وتؤسس لمعالجة طويلة الامد للشؤون الجوهرية المتعلقة بمستقبل الوطن وديمومته، وهي:
ــ الحرية الايمانية التي عاشوها منذ البدء وسط نزاعات دينية متنوعة (...) وصارت عندهم كنز الكنوز.
ــ العيش المشترك القائم على الاعتراف المتبادل وعلى وحدة المصير، والتكامل بين العائلات الروحية التي تؤلف النسيج الوطني الواحد. وقد كرس الدستور اللبناني هذا المبدأ إذ نزع صفة الشرعية عن كل سلطة تناقض العيش المشترك.
ــ الديموقراطية التوافقية التي ارتضاها اللبنانيون وكرسها الدستور حفاظاً على جميع مكونات المجتمع اللبناني التعددي وإفساحاً في المجال لها جميعاً ان تشارك مشاركة متوازنة في الحياة الوطنية والقرارات المصيرية، وفي ادارة شؤون الوطن، وفي بناء مشروع الدولة وتنميته وتطويره.
ــ نهائية الكيان اللبناني لجميع ابنائه التي أكدها الدستور في مقدمته، الى جانب قاعدة العيش المشترك فيما بينهم، وانتمائه الكامل الى العالم العربي.
ــ التمسك بقرارات الشرعية الدولية، والمطالبة بتطبيقها كاملة، اذ إنها الوسيلة الانجع للحفاظ على هذا الوطن الصغير وحمايته من مطامع جيرانه، ومنع استعماله وسيلة لحل بعض مشكلاتهم على حسابه، كأن يجعل منه وطناً بديلاً لمن اضاعوا وطنهم، او تعويضاً لمن فقد جزءاً من اراضيه.
ــ الحفاظ على الدولة اللبنانية، وتحاشي ما من شأنه ان يفكّك اوصالها ويضعف دورها، وإعادة بنائها على اسس الحق والعدالة والمساواة والمشاركة، وترميم كل مؤسساتها على اسس الكفاءة والنظافة والاخلاق السوية، ومحاربة الفساد المعشش في زواياها.
ــ تطبيق اتفاق الطائف بكل بنوده، مع توضيح ما زال غامضاً فيه وتصحيح الشوائب التي ظهرت في ضوء الممارسة بغية تحسين أداء الدولة، وتحصين الوطن ضد الاخطار».
ودعا الاعلان «انطلاقاً من هذه الثوابت المسلّمات، القادة المارونة اولاً، ومن ثم سائر القادة الوطنيين إلى:
ــ بت ميثاق شرف فيما بينهم وأمام الوطن، يؤكدون فيه تمسكهم بمبادئ الحوار وحل الخلافات في اطار الديموقراطية والقانون ويرفضون أي شكل من اشكال العنف والصدامات المسلحة تحت اي ذريعة، كما يمتنعون بموجبه عن استعمال عبارات التحقير والاذلال في المخاطبة، وعن اثارة الاحقاد والنعرات الطائفية او الحزبية او الفئوية او الشخصية.
ــ العمل على اقرار المحكمة ذات الطابع الدولي لإحقاق الحق، وايقاف مسلسل القتل والاغتيالات.
ــ عدم الانجرار الى صراع المحاور الاقليمية او الدولية، او التمحور في اي احلاف خارجية تخوض صراع مصالح ونفوذ على ارض لبنان وعلى حساب لبنان، مع حرصهم على الانفتاح على محيطهم والعالم.
ــ لملمة الوضع المتفجر من خلال تأليف حكومة وفاق تؤمّن مشاركة واسعة على المستوى الوطني، وتجد حلولاً لما يعانيه المواطن، ولا سيما على الصعيدين الامني والاقتصادي، واذا تعذر ذلك، السعي الى تأليف حكومة من مستقلين تعمل على اقرار قانون جديد للانتخاب على اساس الدوائر الصغرى، بغية تأمين تمثيل صحيح لكل فئات الشعب، وإفساح المجال لمشاركة المغتربين في الانتخاب، كما تسهر على اجراء انتخابات مسبقة.
ــ ايجاد حل لواقع رئاسة الجمهورية وتقريب موعد الانتخاب لاختيار شخص يتم الاتفاق عليه، ويمكنه ان يعمل على توحيد الشعب في ظل الدولة العادلة وعلى اطلاق مسيرة الإصلاح واعادة بناء الدولة بكل مؤسساتها.
ــ استكمال تطبيق اتفاق الطائف ولا سيما بند اللامركزية الادارية والانمائية الموسعة، وتأكيد حق الفلسطينيين في العودة الى بلادهم ورفض توطينهم في لبنان، والعمل على حل مسألة السلاح الفلسطيني في اطار تأمين حقوقهم الانسانية، وعلى حصر السلاح اللبناني في يد القوى الامنية الشرعية.
ودعا الاعلان «جميع المسيحيين الى رص صفوفهم وتوحيد كلمتهم، لا ليشكلوا قوة في وجه الطوائف الاخرى، بل ليتمكنوا من أداء دورهم التاريخي الذي هو دور توحيد ووحدة بين مختلف الطوائف والشرائح اللبنانية وصمام امان في وجه التوترات والمواجهات ما بين الطوائف الاخرى، للحؤول دون انفجار الصراعات الطائفية او المذهبية، وهكذ يحافظون على لبنان الذي هو اكثر من وطن، والذي هو رسالة انفتاح وتحاور وتوافق وعيش مشترك بين الاديان والحضارات».
(وطنية)