strong>غسان سعود
الكسليك في وسط بيروت؟ شبان الكسليك يشاركون في اعتصام يرفع صور السيّد حسن نصر الله؟ هذا النوع من التساؤلات لم يعد غريباً بعد اليوم. فطلاب من جامعة الروح القدس يشاركون باستمرار في اعتصام الساحتين. خيمتهم تدلّ عليهم، وكذلك تجربتهم الفريدة

تحت كنيسة الأرمن... مباشرة، خيمة مميزة بين عشرات الخيم التي نصبها طلاب الجامعات في التيار الوطني الحر. خيمة لُوِّنت من جهة بأعلام خضراء وصفراء وبرتقالية، ووضع في جهتها الأخرى رسم لخريطة لبنانية وزّعت ألوان تضاريسها الجغرافية بحسب الفرقاء السياسيّين الذين يحظون بالغالبية الشعبية فيها، إضافة إلى صور عدة للعماد ميشال عون بالبذلة العسكرية. وأمام مدخل الخيمة، نجد شجرة العيد، مع زينة برتقالية حالها من حال الساحة التي لم تجد لوناً ينافس البرتقالي في تلوينها إلا الأصفر.
ويتوزّع طالبان وطالبة حول الشجرة يحضّرون لوضع المغارة. نقترب أكثر. نجد في الخيمة المجهّزة أصلاً لاحتضان ستة أشخاص على الأكثر، أربع عشرة فرشة، تفصل الأوساخ بعضها عن بعض. في الخيمة أيضاً علمان، واحد للتيار وآخر لحزب الله، وصور لعون ونصر الله في كنيسة مار مخايل.
بضعة شبان. أنطوني دبس، ربيع مسعد، ميشال حموي، روني عون، باتريك رزق الله، يرحبون بضيوف الخيمة. بداية، الكلام المعلّب نفسه: «جئنا لنسقط الحكومة»، «نحن نلبي نداء الجنرال». ثمّ يخرج رزق الله الكلام من روتينيّته «إذا بدو ايّانا نروح ع جهنم، ع جهنم منروح». والضمير هنا ظاهر غير مستتر تقديره هو، أي العماد عون.
الشبان المجتمعون، معظمهم من جونية وساحل المتن الجنوبي. وهم، طوال أربعة أيام، لم يتكلموا على أنواع السيارات الجديدة وأشكالها، أو على سهرة رأس السنة، أو أخبار الفنانين. هم، بحسب قولهم، مشغولون بالسياسة. وهم، كما يقولون، مقموعون في جامعتهم، الروح القدس ــ الكسليك، وممنوعون من النشاط السياسي. ولهذا، يهتمون أكثر بالنقاشات السياسية، والتعرف إلى تجارب الآخرينيقول مسعد إن الجامعة تكبتهم. يغمزه صديقه، سارقاً منه الكلام ومتابعاً «الإدارة متحيزة للقوات، والعمل السياسي بالنسبة إليهم يعني أن تكون قواتياً». يدخل صوت أنثوي على الجدال معلقاً: «ليس لنا كلمة في جامعتنا، بالرغم من أننا الأكثرية». يعود مسعد إلى الكلام الجاهز مسبقاً «إدارة جامعتنا اغتصبت الحياة الديموقراطية الجامعية ومنعتها، هنا ثمة فسحة ديموقراطية، نستطيع عبرها أن نعبّر عن طموحاتنا وآمالنا».
وعن الجامعة أيضاً، يقول أحدهم إنها حددت الامتحانات في هذه الفترة من دون الأخذ في الحساب انهماك الطلاب بالحركة الاحتجاجية. ولم تتسامح مع الذين اضطروا للغياب. وحتى في يوم التظاهرة الكبرى سجلت أسماء الغياب. علماً بأن النظام في الكسليك، يُسجل علامات على الحضور أو عدمه.
على صعيد آخر، يقول أحدهم «سابقاً كانت وسائل الإعلام تخبرنا أن الشيعة «بعبع» وتبين أنهم «عالم طبيعيون مثلهم مثلنا. هنا، تعرّفنا إلى الشيعة. ثمة أمور عقائدية كثيرة لا نستطيع أن نجاريهم فيها، لكن أقلّه بتنا نعلم من هو الإمام علي مثلاً». ويضيف زميله: «الأطراف الأخرى تهتم خصوصاً بخيمتنا، وكل ليلة يزورنا عدد من الطلاب الجنوبيين للتعرف إلينا، وبعضهم لا يصدق أنّنا من الكسليك».
وفي السياق نفسه، يقول أحدهم إن وسائل الاعلام تلتقط صورهم وتجري معهم مقابلات كأنهم من عالم آخر، أو كأن ابن الكسليك، محرّم عليه أن يرفع صورة السيد. يُسألون عن السيد، فتتوزع إجاباتهم. البعض يراه بطلاً ورمزاً و«شي غير شكل». والبعض الآخر يراه «زعيماً كبيراً، لكن عليه أن يكون بطل السلم والحرب فيقبل بتسليم سلاحه».
تثير الفكرة الأخيرة نقاشاً بين الطلاب. فيوضح أحدهم أن العماد عون يصرّ على ضرورة أن يسلّم الحزب سلاحه، شرط وجود دولة قوية. ويشير طالب آخر إلى أنّ الدولة القويّة أمنية غير قابلة للتحقّق في لبنان. تزداد حدة النقاش، يختمه مسعد بعبارة تلقى تأييد كلّ الحاضرين «الدولة القوية لا يرأسها إلا عون، وحينها يسلّم الحزب سلاحه للجيش، يعني من العبّ للجيبة».
يعود الطلاب إلى هدوئهم. يروون ما فعله طلاب كلية العلوم بمندوب التيار في جامعتهم جينو عون، حين حضروا مساء، فحملوه وبدأوا تقاذفه، وهو ما دفعه إلى الاستنجاد بشبان حركة أمل الذين أتوا «مع الطبل والزمر» وبدأنا تأليف الردات ضد بعضنا (بحسب الكليات والجامعات). والمهم بالنسبة لـ«الكسليكيّين»، بحسب أحدهم، أن لا يسبقهم طلاب الجامعة اليسوعية في ابتكار شيءٍ جديد. وهم الآن، يجمعون الأموال لشراء عدة رسم وتلوين ليبثوا بعض الحياة في خيمتهم. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من خمسة وعشرين طالباً من جامعة الكسليك يقيمون دائماً في المخيم. تغادر مجموعة فتحضر أخرى.
هكذا تواظب الكسليك على الحضور الكثيف، الذي يدفعهم إلى احتلال خيم أخرى تجاورهم، خيم لحزب الله وحركة أمل وغيرهما... المهمّ أن تكون صور السيّد والعماد موجودة في الخيم المنوي الانتقال إليها.