حسن عليق
مقدمة: يوم الأحد الماضي، أُحرق عدد من المحالّ التجارية في صبرا خلال الاشتباكات التي وقعت بين مناصري الحكومة ومناصري المعارضة الذين كانوا يمرّون في شارع قصقص. من أحرق المحال ومن سيعوّض الأضرار؟

بتاريخ 3/12/2006، من بين الإشكالات المتنقلة في شوارع بيروت، التي أدت إلى استشهاد الشاب أحمد محمود وجرح عدد آخر من الأشخاص، نقلت وسائل الإعلام خبر إحراق ثلاثة محال تجارية في منطقة صبرا، يملكها سوريون. كان مرور الخبر عابراً، إذ لنيتوقّف أحد أمام إحراق محالّ لـ«سوريين». وجرت المتابعة الإعلامية، كمحاولة لاستغلال الموضوع سياسياً، ونسب ما جرى إلى «مثيري أعمال الشغب» من «الطرف الآخر». لكن ما الذي جرى حقيقة؟ ومن يقف خلف قطع أرزاق الناس؟ ومن هم الفاعلون؟
تقع المحالّ التي أحرقت في منطقة صبرا، زاروب أبو حطب، خلف «سوق اللحّامين». أُحرق أحدها بداية، الذي يملكه السوري ف. ك.، وهو مخصص لبيع العطور وأدوات التجميل والألعاب. ثم امتدت النيران إلى المحالّ الأخرى التي يملكها سوريون أيضاً. أحدها لبيع الأحذية النسائية يملكه س. ن. أما الثاني فهو ملك ح. ر. الذي يبيع فيه البرادي والبياضات. والثالث ملك لـ م. ر. وهو مخصص لبيع الأقراص المدمجة والألعاب. هذا إضافة إلى احتراق براد للحوم، يملكه المواطن الفلسطيني ي. ش.
روى عامل في المحل الذي أحرق، ومنه امتدت النيران إلى المحال الأخرى، لـ«الأخبار» ما جرى معه. قال: «أنا أقفل المحل عادة عند الساعة السادسة مساءً. صودف في ذلك اليوم أن زبونة دخلت قبل السادسة بدقائق معدودة. وقبل أن تأخذ البضاعة التي تريد شراءها، دخل ثلاثة أشخاص من الحي، وهم: م. ر. أ. و ب. م، وشخص ثالث أعرفه بلقبه فقط (أ. س). قام الأول بإبعاد الزبونة من أمامي، ثم ضربني بشيء كان بيده على جبيني. تعاون الثلاثة على توجيه الضرب إلي، ثم أخرجوني من المحل. كانت الدماء تغطي وجهي. قاموا بعد ذلك بإضرام النار بالبضاعة. وكان معهم في الخارج ستة آخرون. أغلقوا معاً الزاروب من طرفيه، ومنعوا أياً كان من الاقتراب. وعندما حاول عدد من الجيران إطفاء النار قبل أن تمتد إلى المحالّ الأخرى، منعوهم». أضاف «امتدت النيران إلى محالّ الجيران، وبعد أن أتت على المحتويات، سمحوا للناس بالدخول إلى الزاروب، وحضرت بعدئذ سيارات الإطفاء». شخص آخر كان موجوداً في المنطقة، ذكر لـ«الأخبار» أن سيارات الدفاع المدني، بعدما وصلت إلى مكان الحريق، لم تبدأ برش المياه إلا بعد عشر دقائق من وصولها، لأن مضخاتها لم تعمل.
يقدّر أصحاب المحال، قيمة محتويات المحال الأربعة، إضافة إلى براد اللحوم، بأنّها تفوق مئة ألف دولار أميركي. أما عن الخلفيات التي كانت وراء إحراق محله بالذات، فتحدث العامل أنه، قبل حوالى شهر، أتى المدعو م. ر. أ إلى المحل، وطلب منه ومن صاحب المحل إزالة صورة للسيد حسن نصر الله ملصقة على الباب. وذكر أن م. أ. أرفق طلبه بتهديد: «أو بتشيلوها أو بيصير مشكل». أضاف العامل: «قام صاحب المحل بنزع الصورة، وامتنعنا بعدئذ عن بيع صور السيد في المحل».
بعد الاعتداء، ذهب العامل إلى مستشفى الساحل، حيث تمت معالجته، وجرى تقطيب جرح في جبينه، كما خسر بعضاً من أسنانه الأمامية، إضافة إلى ندوب في الوجه. بعد ذلك، كلّف أصحاب المحالّ المحامي مروان هاشم تقديم شكوى أمام القضاء. وبالفعل هذا ما جرى، حيث قُدّمت الدعوى لدى النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزيف معماري. بينما تجري متابعة الملف في مخفر الطريق الجديدة، حيث استُدعي المشتكون وأخذت إفاداتهم. كما قام عناصر من المخفر المذكور بمعاينة المحالّ المحترقة. وتقدم المحامي هاشم، بوكالته عن العامل المعتدى عليه، بشكوى أمام القضاء. وكشف عليه طبيب شرعي، فمنحه تقريراً طبيّاً بثلاثة أيام عطلة وأسبوع راحة. وقد ذكر العامل وصاحب محل محترق أنهما يعرفان المعتدين وهم «ينتمون إلى تيار المستقبل»، وأماكن سكنهم لا تبعد أكثر من خمسين متراً عن المحل، و«شاهدهم كل أهالي الحي». وهم الآن طُلقاء، وقال الشاهدان إن «المقهى الذي يجلس فيه المعتدون معروف». وذكرا أن من قاموا بإحراق المحال، أرسلوا تهديدات، بأنهم سيقتلون من يقوم بتقديم شكوى أمام القضاء. كما قالا إنهم «يهددون الشهود». وفي اتصال بـ«الأخبار» ذكر أحد الشهود أنه تلقى تهديدات «بتصفية كل من يشهد في هذه القضية أمام القضاء».
وفي اتصال آخر بـ«الأخبار» أكّد المحامي مروان هاشم أنه تقدم بشكوى أمام القضاء المختص ضد عدد من الأشخاص، رافضاً الخوض في التفاصيل، «حفاظاً على سرية التحقيق».
أحد أصحاب المحال المحترقة، يملك محلاً آخر، وهو يتابع عمله فيه. أما الباقون، فعاطلون عن العمل بعدما أكلت النيران «جنى العمر» كما قال أحدهم. وهم يؤكدون استمرارهم في الدعوى حتى تحصيل حقوقهم كاملة.