غسان سعود
لم يطلق الرصاص ابتهاجاً بعد انتهاء كلمتك يا سيّد. بل قرعت أجراس الكنائس فرحاً في أشرفية بشير الجميل وبرج حمود الطاشناق، وبعبدا عون، ومتنه وكسروانه وجبيله والبترون وقرى عكار وزحلة عروسة البقاع. احتفلوا بك وخرجت السيارات بعفوية، دون بونات بنزين، فرحة بكلامك. ومن لم تصل يداه إلى حبل الجرس ليقرعه، أضاء لك الشموع أمام القديسين، وصلى. كانت هذه هي حال جويل الحج في عين الرمانة ولينا ضو في بيت الشعار ونانسي بركات في جبيل وصباح باسيل في جرود البترون وغيرهن المئات.
كان أمس يوماً آخر للاحتفال. كان الليل بإطلالة السيّد قصيراً، وعجز عن أن يحوي كل الكلام الذي أراد اللبنانيون قوله بعد سماعهم «سيد الكلام» يخطب بجمهوره، أو بالجمهور اللبناني، كل الجمهور، ويجذبه كأنّه يعلم الأطفال الكلام، وهو بات من أمس «معلم الكلام السياسي».
السادسة مساءً، بدأت «الضاحية البرتقالية» تغادر نفسها باتجاه قائدها. كيف تفد الضاحية للقاء سيدها؟ بالدبكة، بالطبل، بالفرح، بـ «الله نصر الله، الضاحية كلها»، و«أبو هادي... أبو هادي». بـ«لبيك انتصار الدم على السيف»، وبأغاني الانتصار. وبقول غاندي مرفوعاً على لافتات «تعلّمت من الحسين كيف أكون مقتولاً فأنتصر». والوعد أن «من لم تهزمه الآلة الاسرائيلية لن تقوى عليه ديكتاتورية حاكم».
وفدوا كأنه العيد. تتقدم الخطوات، يدخل آخرون «يا سنيورة لاقينا، من الشياح نحنا جينا». من بشارة الخوري، يطلُّ صوت السيّد مخاطباً «أشرف الناس وأكرم الناس وأطهر الناس». ينعكس فوق بعض البنايات لعب بالإنارة عبر الليزر وعبارات تقول «حكومة الفساد»، «حكومة الـTVA» و «حكومة سوليدير».
تقول إحدى الإعلاميات إن الجمهور ينتظر أن يطلب السيّد منه الهجوم على السرايا. حَاجّة تخطّت الثمانين من عمرها، تخترق الحشود حاملة كرسياً وعلماً لبنانياً. تصل إلى نقطة متقدمة. تضع الكرسي وتقف عليه وتلوّح بالعلم عالياً. أحد عناصر الانضباط يطلب من شاب أن يرفع يده عن اللوحات الإعلانية لعدم أذيتها. الساحتان تحافظان على انضباطهما، و«شعب المقاومة» يستمر في التدفق.
السابعة والنصف، تمتلئ ساحة رياض الصلح. التجمع الوطني الديموقراطي يوزع منشوراً يسأل «أمن الوطن والمواطن أول مسؤوليات السلطة. أخي المواطن، هل تشعر اليوم بالأمان؟». يتردد صوت السيّد مرة أخرى «لن أختم حياتي بالخيانة بل بالشهادة»، يقولها بوقار، وترددها الجماهير بالوقار نفسه، جماهير حزب الله وحركة أمل والعونيين والمردة والكراميين وغيرهم.
«سيد المقاومة... مجد صنين»، يقول أحد الشيوخ. فيرد شبان متحمسون «ميشان الله... يا سيّد يلّا». يصرخ خطيب اللقاء «صوت صارخ... نصر الله»، «صرخة قوية في زمن الصمت». الكل يردد «مين قدك لمّا تطلّ؟». يقول السيد «نحن أقوى من الحرب»، فيلاقيه الجمهور «أيها المراهنون على استسلامنا إنكم واهمون واهمون واهمون...»، و«إيه ويلّا، سنيورة طلاع برّا». ولا حاجة للسؤال، وجوههم تبرق بعيون تصر على التأكيد «نحن أقوى من التعب والجوع والكلل والملل وقصف الصواريخ». يكاد الجمهور أن ينفجر حماسة. يقفز الآلاف عالياً. وحدها تلك العبارة تشفي الغليل «لبيك يا نصر الله.. لبيك يا نصر الله». يقولونها كأنهم يُقسمون. لا فرق بينهم: عونيين، مردة، طاشناق، حركة شعب، ديموقراطيين، أهل طرابلس وصيدا، يقولونها بانتظام «لبيك يا نصر الله».
والسيّد لا يبخل بقول ما يريد شعبه أن يسمعه، يعد باسمهم «لن نخرج من الشارع قبل تحقيق كل المطالب»، فيردون بحماسة. ينهي السيد الكلام، والعيون شاخصة، ولسان حال الجمهور يقول: هذا أشرف الكلام وأعز الكلام وأطهر الكلام.