strong>بسام القنطار
يمكن القول وبدون مبالغة، إن عملية ترتيب لأهم الأحداث التي عصفت بلبنان في عام 2006 تضع مسألة حرائق الغابات والأحراج في المرتبة الثانية لجهة التداعيات الكارثية على الإنسان والطبيعة بعد عدوان تموز. 89 حريقاً في شهر أيلول قضت على 844 هكتاراً من إجمالي 291 حريقاً قضت على 2122 هكتاراً


في خضم الأحداث والأزمات السياسية والأمنية المتراكمة منذ بداية عام 2005، يبدو من الصعوبة أن يولي الجمهور اللبناني قدراً كبيراً من الاهتمام للحرائق الخارجة عن السيطرة في الغابات وغيرها من الأراضي المشجرة والأراضي الأخرى، والتي يشار إليها عموماً بحرائق الاحراج أو حرائق البراري.
ونظراً لعدم رصد الكثير من الحرائق أو توثيقها، فإن عدم وجود تقويمات يُعتمد عليها للأضرار والآثار يعرقل اتخاذ القرارات في بعض الأحيان. نورد هنا رقماً هو اقرب إلى الحقيقة في تقدير إجمالي المساحة الحرجية المنكوبة في لبنان والتي بلغت 3460 هكتاراً (2122 هكتاراً قبل حرب تموز وبعدها و 1338 هكتاراً احترقت خلال الحرب)، وبذلك تكون نسبة الحرائق التي ضربت لبنان قد بلغت ضعفي المعدل السنوي تقريباً (1200 هكتار) ونكون قد خسرنا 1.40 بالمئة من إجمالي المساحة الخضراء (247754 هكتاراً).
وغابات لبنان من أهم المصادر الطبيعية غنىً وتنوعاً على كل المستويات الإيكولوجية والبيولوجية، ويقدّر استهلاك لبنان السنوي لحطب الوقود بنحو 82 هكتاراً.
ومشكلة حرائق الأحراج من أخطر المشاكل التي يواجهها لبنان، وسببها الرئيسي المناخ الجاف وارتفاع درجات الحرارة. ولقد قضي على أكثر من 35% من غابات لبنان خلال الأربعين عاماً الماضية، الأمر الذي أدى الى انخفاض مساحة الغطاء الأخضر من 12% عام 1973 الى 7% من مساحة لبنان عام 2006 في ظل غياب خطة وطنية شاملة.
وتبقى الوقاية من الحرائق من خلال الإدارة السليمة متسمة بقدر اكبر من فاعلية تكلفتها مقارنة بإطفاء النيران في أحوال الطوارئ. ولقد أدى نقص الموارد والإهمال وغياب الاستراتيجية الحكومية إلى ترك غابات لبنان من دون أي خطة لإدارة الحرائق، وزادت من تعرضها لها. ويظهر استخدام الحرق في الممارسات الزراعية في لبنان الطابع المعقد لسياسات الوقاية من الحرائق.
المقدم جان جميل من قيادة الجيش اللبناني، أكد لـ«الأخبار» أن الجيش، وبالتعاون مع الدفاع المدني، قد استجاب لمختلف إنذارات حرائق الغابات ونجح في إخمادها. لكن الجيش يرى أن «الوقاية من الحرائق هي النهج الصحيح الذي يجب أن يتبع في لبنان، وهو يقوم بعملية تنظيف كبيرة لمختلف الاحراج اللبنانية والمناطق الأثرية ضمن المهمات الإنمائية التي ينفذها، وهذا يسهم في التخفيف من الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع الحرائق». لكن الجميل لا يخفي «أن إلغاء خدمة العلم أثرت سلباً في هذه المهمات، التي لم يعد الجيش قادراً على تنفيذها بالحجم الذي كان يوفره التجنيد الإجباري».
ويستخدم الجيش مختلف وسائل الإخماد، بما فيها العنصر البشري اليدوي، لمكافحة الحرائق في لبنان، لكن الوسيلة الأكثر فاعلية، وخصوصاً في المناطق الوعرة، هي الطوافات التي تحمل خزانات مياه تصل سعتها إلى حوالى 1000 ليتر. ويؤكد المقدم الجميل أن الجيش اللبناني قد طلب من السلطات المختصة إقامة بحيرات اصطناعية في مختلف المناطق اللبنانية تكون معدة خصوصاً لإطفاء الحرائق، لأن ذلك يسهم في الاستفادة من الوقت والسرعة في إطفاء الحريق، ناهيك عن الضرر البيئي الذي تسببه المياه المالحة التي تعبّأ من البحر».
وعلى مستوى التعاون الدولي، يؤكد الجميل «أن الحكومة القبرصية قد أرسلت طوافات لمكافحة الحريق الذي اندلع في بلدة عميق في بداية شهر تموز الفائت بناء على طلب من الحكومة اللبنانية». وقد اثبت التعاون الدولي، وبخاصة من خلال الاتفاقات الثنائية، فاعليته في مكافحة الحرائق وفي تسهيل المساعدات التي تقدم في حالات الطوارئ. مساعد الناطق الرسمي باسم قوات اليونيفيل حسن صقلاي، قال بدوره «إن قوات اليونيفيل تدخلت هذا العام في أكثر من منطقة للمساعدة في إطفاء الحرائق وخصوصاً في اللبونة والناقورة ومرجعيون. كما أن طوافات من الكتيبة البحرية الإيطالية قد أسهمت في إطفاء الحريق الذي اندلع في منطقة جسر القاضي». وهذا التعاون عامل مهم يجب أن يُلحظ في أي خطة لمكافحة الحرائق في عام 2007، خصوصاً أن قوات (اليونيفيل 2) قد جهزت بعشرات الطوافات ضمن قواتها البحرية والبرية، وهي بالإضافة إلى المهمات العسكرية الموكولة إليها، تستطيع أن تسهم أكثر في عملية إطفاء الحرائق في لبنان.
ويُظهر جدول حرائق الغابات خلال عام 2006 الذي أعده الجيش اللبناني توزُّع الحرائق على الشكل الآتي: (كانون الثاني، عدد الحرائق 1، المساحة 10000 متر مربع)، (شباط، عدد الحرائق 1، المساحة 1500 متر مربع)، (آذار، عدد الحرائق 5، المساحة 5740 متراً مربعاً)، (نيسان، عدد الحرائق 2، المساحة 1535 متراً مربعاً)، (أيار، عدد الحرائق 11، المساحة 20920 متراً مربعاً)، (حزيران، عدد الحرائق 56، المساحة 507490 متراً مربعاً)، (تموز، عدد الحرائق 47، المساحة 1100550 متراً مربعاً)، (آب، عدد الحرائق 42، المساحة 3167750 متراً مربعاً)، (أيلول، عدد الحرائق 89، المساحة 8432800 متر مربع)، (تشرين الأول، عدد الحرائق 35، المساحة 7965252 متراً مربعاً)، (تشرين الثاني، عدد الحرائق 2، المساحة 724 متراً مربعاً)، (كانون الأول، عدد الحرائق 1، المساحة 8000 متر مربع).
ويلاحظ من خلال هذا الجدول أن النسبة الأعلى للحرائق في لبنان تحصل خلال شهري أيلول وتشرين الأول. ولقد أظهرت إحصاءات للعديد من الجمعيات الأهلية أن 5% من حرائق الغابات تعود إلى عوامل طبيعية (صواعق، ارتفاع حرارة، إلخ). بينما الـ 95% الباقية هي من فعل الإنسان، وتنقسم الحرائق الى شقين، فمنها المفتعلة والتي غالباً ما نراها في خراج البلدات التي لم يجر حتى اليوم مسح أراضيها، حيث حدود ملكية الأرض تبقى مطاطة وحيث الحريق يساعد على توسيع هذه الملكية على حساب الغابة المتاخمة. وهناك حرائق مفتعلة بسبب وجود أشجار صمغية (صنوبر، شربين، أرز، شوح). يمنع القانون قطعها حتى في الملكيات الخاصة، فيكون الحريق هو «الحل»، يليه الجرف وتحويل وجهة استعمال الأرض. وكذلك الحرائق المفتعلة بداعي التحطيب وأيضاً لتجديد المراعي (يلجأ إليها الرعاة في بعض الأحيان). أما الحرائق غير المفتعلة، فهي الناجمة عن: حرق اليباس في الأراضي المتاخمة للغابات، مواقد الصيادين، حرق النفايات في خراج البلدات، رمي النفايات في الغابات.
وإذا دققنا في الجدول أعلاه، نجد أن موسم الحرائق هذا العام (من تموز إلى تشرين الأول) قد قضى على 2066 هكتاراً رغم تضافر جهود الجيش اللبناني والدفاع المدني ومتطوعي المجتمع المدني لإخماد الحريق الذي عاد وتكرر في اكثر من منطقة واستمر لأربعة أيام في مناطق أخرى. وتعدّ وزارة الزراعة مقصرة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الحرائق ومنها حفر آبار مياه قريبة من الإحراج والغابات.
اما مشاريع التحريج التي تنفذها وزارة البيئة، فتبقى معزولة عن إجراءات حمايتها، ولا تضع الوزارة مواجهة الحرائق في صلب برامجها لزيادة الغطاء الحرجي. فلقد اطلقت وزارة البيئة مشروع تشجير للبنان يمتد على مدار خمس سنوات بتكلفة (3،333،000 دولار أميركي سنوياً). ويهدف المشروع إلى زيادة الغطاء النباتي من 3.5% إلى 21% من خلال تشجير حوالى 140000 هكتار. ويمكن القول إن مشاريع التحريج التي نفذتها الوزارة على مدى الأعوام الماضية قد قضي عليها عام 2006.
وتبقى توصية مجلس النواب بإنشاء مؤسسة وطنية تعنى بالغابات تخضع للتجاذب وتضارب الصلاحيات بين وزارتي الزراعة والبيئة. ونقص عدد حراس الاحراج وعدم متابعتهم الجدية لمصادر الدخان نتيجة لتنظيف الأراضي الزراعية من الأعشاب ووقفها فوراً.. يبقى العنصر الأكثر حسماً وتغييباً في عملية السيطرة على حرائق الغابات. إضافة إلى أن جهاز مأموري الأحراج غير مفعّل في وزارة الزراعة، وهو حتى اليوم يعمل بدوام عادي.
أما وزارة الداخلية فلا تطبق بصرامة قانون الغابات الصادر في 7/1/1949 والذي ينص على عدم إضرام النار لأي أسباب كانت، خلال الفترة الممتدة من أيار وحتى تشرين الثاني. وحماية الغابة المحروقة من الإنسان والماعز ومنع استعمال خشبها. إضافة إلى تقصير مخافر الدرك المنتشرة في المناطق في تنفيذ مهماتها والتحقيق الجدي في كل حريق غابات ومتابعته حتى الوصول إلى المجرم حيث يقفل الملف بعد أيام قليلة من تحقيق شكلي، إذا فتح تحقيق.
كما أن مكافحة الدفاع المدني لحرائق الغابات تجري بأساليب بدائية وبواسطة سيارات الإطفاء المعدة لاستعمالات مدنية لا حرجية. ويضاف إلى هذه المشكلة عديد هذا الجهاز، حيث غالبية العناصر هم من المتطوعين الذين خاب ظنهم بإمكان التوظيف، وهو ما أدى إلى انقطاع عدد كبير منهم عن العمل التطوعي في أكثر من مركز.
ويرى «حزب البيئة اللبناني» أن التجارب العديدة في مكافحة الحرائق أثبتت فاعلية المراقبة لمنع حصول الحرائق، وفاعلية الإطفاء «اليدوي» وأولوياته، وكذلك فاعلية «السهر» على الغابة المحروقة لفترة ما بعد الحريق. ويوصي المدافعون عن البيئة بضرورة تعميم مراكز مراقبة الغابات، والعمل على تأمين جهاز يشرف على مراقبة الغابة والسهر عليها قبل الحريق وبعده.




1338 هكتاراً التهمتها الحرب والخسائر 16 مليون دولار


يشير التقرير الذي أعدته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لتقويم خسائر العدوان الإسرائيلي، إلى أن لبنان خسر حوالى 1338 هكتار من الغابات، وبلغت قيمة الخسائر في قطاع الغابات نحو 16 مليون دولار. في حين تضرر اكثر من 1000 هكتار بشكل غير مباشراستهدف القصف الإسرائيلي المركّز مختلف المناطق الجنوبية وخصوصاً الغابات والاحراج، ونظراً إلى أن شهري تموز وآب يسجلان عادة نسبة عالية من الحرائق بسبب ارتفاع درجة الحرارة، أدى القصف من البر والبحر والجو إلى نشوب عدد كبير من الحرائق. وتنوعت أسباب اندلاع الحرائق بين القصف المباشر الصاروخي والمدفعي، وإطلاق القنابل المضيئة إضافة إلى الحرق أو الجرف المتعمد لأغراض الهجوم البري. ويضاف إلى ذلك استهداف مراكز الإطفاء والدفاع المدني حيث قصفت تسعة مراكز وسقط عشرة من رجال الإطفاء شهداء. وكل ذلك ساهم في إضعاف القدرة على مكافحة الحرائق التي أدت إلى خسائر مباشرة في الغابات، إضافة إلى خسائر غير مباشرة مثل فقدان العديد من مميزات التنوع البيولوجي وعوامل تكاثر الكائنات الحية، وتآكل التربة ونقصان تسلل الماء إلى التربة. ويُذكر أن غابات عديدة باتت مهجورة بسبب القنابل العنقودية والقذائف غير المنفجرة.
وتكمن مشكلة الحرب الأساس في أن حرائق الغابات لم تكن أولوية بالقياس إلى حجم الكوارث الإنسانية وفقدان القدرة على التحرك لإنقاذ الجرحى وانتشال جثث الشهداء التي بقيت تحت الركام، وهذا الأمر أدى إلى استمرار بعض الحرائق لفترة طويلة فازدادت المساحات المتضررة. كما تعذر استخدام وسائل الإطفاء الجوية طيلة فترتي الحرب والحصار الإسرائيليين وذلك خوفاً من أن تتعرض للقصف.
وتوزعت حرائق الغابات والاحراج خلال فترة الحرب على مختلف المناطق اللبنانية. ففي جنوب لبنان قضت الحرائق على مساحة تزيد على 434 هكتاراً من غابات السنديان والصنوبر ومناطق حرجية أخرى. كما أن جيش الاحتلال الإسرائيلي جرف مساحة تزيد على 40 كلم على الحدود، وخصوصاً في مناطق اللبونة ومروحين وعين ابل ومارون الراس وعيترون والخيام وكفركلا، حيث تقدر مساحتها الإجمالية بنحو 400 هكتار، وتحتوي هذه المنطقة على أنواع متعددة من الأشجار والنباتات الحرجية، وبذلك تبلغ المساحة التي تضررت مباشرة جرّاء العدوان على جنوب لبنان 834 هكتاراً.
أما في البقاع، فأدى القصف إلى نشوب العديد من الحرائق، كما ادى غياب الرقابة الأمنية على الاحراج إلى انتشار أعمال القطع غير المشروع. ولقد تعرض مشروع اعادة التحريج في المنطقة الحدودية مع سوريا والذي تبلغ مساحتها 60 هكتاراً لنقص هائل في الصيانة والحماية، وهو ما أدى الى خسارة 36 هكتاراً. وفي منطقة مزرعة بمهرية، ادى اندلاع حرائق ناتجة من قنابل ضوئية الى خسارة 100 هكتار من اشجار السنديان الصغيرة. وفي الهرمل تضررت 400 هكتار من الأشجار الصنوبرية جزئياً. أما المساحة الإجمالية للأحراج التي تضررت بشكل غير مباشر جراء العدوان، فتبلغ 536 هكتاراً تؤلّف 1.2 بالمئة من اجمالي المساحة الحرجية في منطقة البقاع. وفي جبل لبنان، تضررت مناطق متعددة من القصف وخصوصاً في منطقة دير قبول، وبلغ اجمالي المساحة المتضررة 70 هكتاراً. أما المساحة المتضررة بشكل غير مباشر فبلغت 400 هكتار، أهمها أشجار الصنوبر في منطقة جسر القاضي. وفي الشمال، حيث تضرر 85 هكتاراً بشكل غير مباشر من الحرب. وفي الإجمال، أدت حرائق الغابات والاحراج خلال فترة الحرب إلى خسائر مباشرة بقيمة 5.686 مليون دولار وخسائر غير مباشرة بقيمة 10.190 مليون دولار.